ثمّ إنّ ملاحظة الترجيح يبن الوجوه المذكورة قد تفيد حال اللفظ في نفسه من جهة ثبوت وضعه للمعنى المفروض أو نفيه ، مع قطع النظر من ملاحظة الحال في استعمال خاصّ، كما في أحد عشر وجها من الوجوه المذكورة ، أعني صور الدوران بين الاشتراك وما عداها من الصور الستّة الباقية ، وصور الدوران بين النقل وما عداها من الصور الخمسة ، وقد يفيد معرفة الحال في استعمال مخصوص من غير دلالة على حال اللفظ في نفسه وهو في الصور العشر الباقية ، وحيث ثبت حجّية الظنّ في اللغات وفي فهم المراد في المخاطبات صحّ الرجوع إلى الوجوه الظنّية المذكورة في الصورتين وجاز الاستناد إليها في إثبات كلّ من الأمرين، فلنفصّل القول فيها في مقامين :
المقام الأوّل : في بيان ما يستفاد منه حال اللفظ في نفسه ، وقد عرفت أنّ وجوه الدوران فيه أحد عشر.
أحدها : الدوران بين الاشتراك والمجاز ، وهذه المسألة وإن مرّ الكلام فيها عند البحث في أصالة الحقيقة إلّا أنّا نستأنف القول فيها ونفصّل الكلام في وجوهها ؛ لكونها قاعدة مهمّة في مباحث الألفاظ.
فنقول : إنّ محلّ الكلام في ذلك ما إذا استعمل اللفظ في معنيين أو أكثر واحتمل أن يكون موضوعا بإزاء كلّ من ذلك وأن يكون حقيقة في واحد مجازا في الباقي ، لوجود العلاقة المصحّحة للتجوّز ، فلو لم يكن هناك علاقة مصحّحة للتجوّز بحسب العرف ، فلا وجه لاحتمال التجوّز حينئذ ولا دوران بينه وبين الاشتراك ، بل يتعيّن القول بالوضع للجميع ؛ لانحصار الاستعمال الصحيح في الحقيقة والمجاز. نعم يمكن المناقشة فيه بالنسبة إلى الحروف ونحوها بناء على ما مرّ من الاحتمال المتقدّم إلّا أنّ ظاهر ما يتراءى من كلماتهم الإطباق على خلافه ، كما أشرنا إليه.
ثمّ إنّ مجرّد إطلاق اللفظ على معنيين أو أكثر غير كاف في المقام ، بل لا بدّ من ثبوت استعماله في خصوص كلّ من ذلك في تحقّق الدوران بينهما ، فلو استعمل