تكون معاني إسميّة مستقلّة بالمفهوميّة.
والجواب عنه : أنّ الفرق بين المعاني الإسميّة والحرفية ليس من جهة عموم الموضوع له في الأسماء وعدمه في الحروف حتى تتميّز المعاني الحرفيّة عن المعاني الإسميّة ، على القول بوضع الحروف لخصوصيات الجزئيّات دون القول بوضعها للمفاهيم المطلقة ، كيف ومن البيّن أنّ جزئيّات تلك المفاهيم أيضا امور مستقلّة بالمفهوميّة على نحو مفهومها الكلّي ، فكما أنّ مطلق الابتداء مفهوم مستقلّ كذلك الابتداء الخاصّ وإن افتقرت معرفة خصوصيّته إلى ملاحظة متعلّقه ، فإنّ ذلك لا تخرجه عن الاستقلال وصحّة الحكم عليه وبه ، بل الفرق بين الأمرين في كيفيّة الملاحظة حيث إنّ الملحوظ في المعاني الإسميّة هو ذات المفهوم بنفسه ، والملحوظ في المعاني الحرفية كونه آلة ومرآة لملاحظة غيره.
ومن البيّن أنّ ما جعل آلة لملاحظة الغير لا يكون ملحوظا بذاته ، بل الملحوظ بالذات هناك هو ذلك الغير ، فهذه الملاحظة لا يمكن حصولها إلّا بملاحظة الغير ؛ ولذا قالوا : إنّها غير مستقلّة بالمفهومية ، وإنّه لا يمكن الحكم عليها وبها ؛ لتوقّف ذلك على ملاحظة المفهوم بذاته.
فحصول المعاني الحرفيّة في الذهن متقوّم بغيرها ، كما أنّ وجود الأعراض في الخارج متقوّم بمعروضاتها ، بخلاف المعاني الإسميّة فإنّها امور متحصّلة في الأذهان بأنفسها وإن كان نفس المفهوم في المقامين أمرا واحدا ، وحينئذ فكما يمكن اعتبار جزئيّات الابتداء مثلا مرآة لملاحظة الغير فيقال بوضع لفظة «من» لكلّ منها كذا يمكن اعتبار مطلق الابتداء مرآة لحال الغير ويقال بوضع «من» بإزائه ، فيكون مفهوم الابتداء ملحوظا بذاته من المعاني الإسميّة ، وملحوظا باعتبار كونه آلة ومرآة لحال الغير من المعاني الحرفيّة ، مع كون ذلك المفهوم أمرا كليّا في الصّورتين.
والحاصل : أنّه لا اختلاف بين المعنى الإسميّ والحرفيّ بحسب الذات ، وإنّما الاختلاف بينهما بحسب الملاحظة والاعتبار ، فيكون المعنى بأحد الاعتبارين