ويشكل : بأنّ ذلك أيضا نحو من التصرف في اللفظ ، حيث إنّ المقصود منه حقيقة غير معناه الحقيقي وإن جعل إرادة معناه الحقيقي واسطة في الانتقال إليه.
وقد يناقش فيه : بأنّه إنّما يتمّ إذا قلنا بكون دلالة اللفظ على كون مدلوله هو المقصود بالإفادة من جهة الوضع ، وهو غير ظاهر ، وأمّا إن قلنا بدلالة ظاهر الحال عليه فلا حاجة في التعدّي عنه إلى التوقيف بعد إرادة الموضوع له من اللفظ.
وفيه : أنّ معاني الألفاظ وكيفيّة استعمالها فيها امور توقيفيّة لا بدّ من الجري فيها على النحو المألوف والطريقة المتلقّاة عن أهل اللغة ، وإلّا لكان غلطا بحسب تلك اللغة ، وقد عرفت أنّ إرادة المعاني المجازيّة من الألفاظ إنّما تكون باستعمالها فيها وإن كان بتوسّط إرادة معانيها الحقيقيّة ، فيتوقّف جواز استعمالها كذلك على التوقيف.
حجّة المفصّل : أمّا على عدم الافتقار إلى نقل الآحاد فبما عرفت من عدم توقّف استعمال المجازات في شائع الاستعمالات على ورود الخصوصيّات من أهل اللسان وثبوت الترخيص في الأشخاص وجريان السيرة واستمرار الطريقة عليه حسب ما أشرنا إليه.
وأمّا على الافتقار إلى نقل الآحاد في الحروف والظروف ونحوهما من الأفعال والأسماء الناقصة فباعتناء علماء العربية في تعيين مستعملاتها وبيان معانيها الحقيقيّة والمجازيّة من غير فرق بينهما في ذلك ، وفي إيراد الشواهد والأدلّة لإثبات كلّ من معانيها ولو كانت مجازيّة ، ووقوع النزاع في بعض منها على نحو المعاني الحقيقيّة واستناد كلّ من الطرفين إلى الشواهد والمرجّحات ، فلو لا الحاجة إلى النقل وتوقّف الاستعمال فيها على التوقيف لم يتّجه ما ذكروه ، ولم يترتّب فائدة على ما بيّنوه ، بل لم ينحصر معانيها المجازيّة فيما شرحوه ؛ لاتّساع الدائرة فيها وعدم توقّف صحّة الاستعمال على نقلهم لها.
وفيه : أنّ ذلك لا يفيد توقّف المجاز على النقل ، فقد يكون ذلك لمزيد عنايتهم بشأنها لكثرة دورانها في الاستعمالات وشيوع استعمالها في المحاورات ، وقد كان