مرآة لملاحظة ما تعلّقت بها ، وحينئذ فليس الملحوظ بالدلالة إلّا الامور الخارجيّة بالمعنى المذكور من غير أن يكون الصورة ملحوظة أصلا ؛ إذ ذلك قضيّة كونها مرآة فإنّ ذات المرآة غير منظور إليها أصلا في لحاظ كونها مرآة ، فغاية ما يستفاد من الوجه المذكور عدم كون الصور الذهنيّة موضوعا لها من حيث ذواتها لا من حيث كونها مرآة لملاحظة غيرها.
قلت : هذا الاحتمال وإن صحّ قيامه في المقام في بادئ الرأي إلّا أنّه فاسد بعد التأمل في العرف ؛ لصحّة السلب عنها ولو بملاحظة كونها مرآة ، ألا ترى أنّه يصحّ أن يقال في العرف : إنّ الصورة الحاصلة من التمر في الذهن ليس تمرا وإن اخذت مرآة لملاحظة الحقيقة الخارجيّة ، من غير أن تكون ذات الصورة ملحوظة أصلا.
وبالجملة : أنّه يصحّ سلب التمر ـ مثلا ـ عن الصورة الذهنيّة مطلقا سواء اخذت ملحوظة بنفسها أو مرآة لملاحظة غيرها.
ثالثها : أنّ المعاني التي يحتاج الى التعبير عنها في المخاطبات إنّما هي تلك المفاهيم على الوجه المذكور ، دون صورها الذهنيّة أو وجوداتها الخارجيّة ، وانّما وجودها في الخارج من جملة أحوالها ، فينبغي أن تكون الألفاظ موضوعة بإزائها.
نعم ، الوجودات الخارجيّة أو الذهنيّة قد تكون مقصودة بالإفادة والموضوع بإزائها هو لفظ الوجود ، لا بأن يكون موضوعا لعين الوجود الخارجي أو الذهني ؛ لعدم إمكان حصول الوجود الخارجي في العقل ، ولا حصول الوجود الذهني الحاصل في ذهن في آخر ، ومن البيّن أنّ الغرض من وضع الألفاظ هو حصول المعنى في الذهن بواسطة اللفظ بل بوجه من وجوهه ، أعني المفهوم المذكور الصادق عليه وهو عنوان كاشف عنه ومرآة لملاحظته ، وقد تقرّر في محلّه أنّ المعلوم بالوجه إنّما يتعلّق العلم حقيقة بذلك الوجه ، فليس الموضوع له هناك أيضا إلّا المفهوم.
حجّة القول بوضعها للامور الخارجيّة أنّ من قال : أكلت الخبز ، وشربت الماء ،