إلّا أن يلتزم بإرادة القدر الجامع من الشارع مجازا ، أو يقال باستعماله في المعنيين بناء على جواز استعماله كذلك ، وهو أيضا على فرض جوازه بعيد جدّا ، إلّا أن يقال : إنّ الحقيقة الشرعيّة إنّما نسبت الى الشرع دون الشارع واعتبر حينئذ في مسمّاه كون وضعه من الله تعالى أو النبيّ صلىاللهعليهوآله سواء خصّصنا الشارع بالله تعالى أو النبيّ صلىاللهعليهوآله أو عمّمناه لهما.
ثمّ إنّه قد يصحّح القول بصدق الشارع على النبيّ صلىاللهعليهوآله بالبناء على تفويض الأحكام اليه في الجملة ، للأخبار الكثيرة الدالّة عليه المرويّة من طرق أهل العصمة عليهمالسلام (١).
إلّا أنّه يشكل بأنّ عدّة من تلك الأخبار (٢) قد دلّت على التفويض الى الأئمّةعليهمالسلام أيضا فيلزم صدق الشارع عليهم أيضا.
والظاهر أنّه خلاف الاتفاق ، وأيضا إن قلنا بالتفويض فليس كلّ الأحكام منهصلىاللهعليهوآله بل جلّها من الله تعالى ، وقد ورد جملة منها في الكتاب (٣) العزيز ، فإن صحّ البناء على التفويض فليس الأحكام المنسوبة اليه إلّا آحاد مخصوصة ، وصدق الشارع عليه بمجرّد ذلك محلّ إشكال إلّا أن يقال بكون كلّ حكم من الأحكام الشرعيّة شرعا ؛ فيكون صدقه على البعض كصدقه على الجملة ، كما هو الظاهر ؛ ولذا يعدّ اختراع بعض الأحكام تشريعا.
مضافا الى أنّ القول بالتفويض مشكل جدّا فإنّه صلىاللهعليهوآله كان ينتظر كثيرا ورود الوحي في الأحكام ، وقد دلّ نصّ الآية الشريفة على انتظاره لحكمه تعالى في مسألة القبلة (٤) ، ولو كان الأمر مفوّضا اليه صلىاللهعليهوآله لما احتاج الى ذلك.
وأيضا دلّت الآية والأخبار على أنّه صلىاللهعليهوآله ما كان يأتي بالأحكام من تلقاء نفسه وإنّما كان ما يأتي به امورا مأخوذة من الوحي.
__________________
(١) الكافي : ج ١ ص ٢٦٦ ـ ٢٦٧ ح ٣ و ٤ و ٥ و ٦.
(٢) الكافي : ج ١ ص ٢٦٥ ـ ٢٦٨ ح ٢ و ٨ و ٩.
(٣) آل عمران : ١٥٤ ، الأعراف : ٥٤ ، يونس : ٣.
(٤) البقرة : ١٤٤.