إفهام ذلك المعنى في الجملة ، غاية الأمر أن يثبت به تجويزه لإرادته منه إنفرادا على حسب ما تعلّق الوضع به.
وأمّا إفهام كلّ من المعنيين بقصدين مستقلّين ـ كما هو الملحوظ في المقام ـ فلا يلزم من ذلك أصلا ، سيّما بعد جريان طريقة أهل اللغة والعرف على خلاف ذلك ، وظهور عدم تجويزه لذلك من استقراء الاستعمالات الشائعة والمحاورات الدائرة.
وممّا يوضح ذلك ملاحظة التثنية فإنّها قد وضعت لإفادة تكرار المعنى المراد من مفردها فدلالتها على الفردين دلالة مطابقية ، فلو صحّت إرادة معنيين من اللفظ الواحد ـ كما هو المفروض ـ لجاز أن يراد من مثنى المشترك إفهام فردين من معنى وفردين من معنى آخر ، فيراد بها مرّة هذا ومرّة هذا بإرادتين مستقلّتين في استعمال واحد على نحو المفرد حسب ما بيّنا ، ومن الواضح عدم جواز استعمالها كذلك في المحاورات ، ولذا لم يقع الخلاف في استعمالها في المعنيين على النحو المذكور حسب ما أشرنا اليه ، وبيّنا أنّ الخلاف فيها على نحو آخر غير ما قرّر في المفرد.
فإن قلت : إنّ المانع هناك تعدّد الوضع في التثنية ، فإنّ لمفردها وضعا ولعلامتها وضعا آخر ، وحيث إنّه قد ضمّ فيها أحد الموضوعين الى الآخر ولا اشتراك في وضع العلامة بل إنّما وضعت لإفادة الفردين لا غير لم يصحّ ذلك.
قلت : لا شكّ أنّ وضع العلامة على نحو وضع سائر الحروف فهي إنّما وضعت لإفادة التعدد فيما اريد من مدخولها ، فإذا صحّ أن يراد من مدخولها معنيان مستقلّان بالإرادة كانت تلك العلامة دالّة على تعدّد كلّ منهما بملاحظتين.
فإن قلت : إنّه لمّا كان الوضع فيها واحدا لم يجز فيه إرادة إفهام التعدّد مرّتين.
قلت : أوّلا : إنّ ذلك جار في المفردات أيضا فإنّ للتنوين واللام ونحوهما اللاحقة للأسماء أيضا أوضاعا حرفية على النحو المذكور ، وهم قد جوّزوا إرادة المتعدّد من مدخولاتها فيتعدّد مفادها تبعا لها كما في المقام.