والأظهر أن يقال : إنّ في وقوعه عقيب الحظر شهادة على عدم إرادة الوجوب منه ، فيصلح ذلك صارفا له عن الظاهر أو قاضيا بمقاومته له ، ومجرّد جواز الانتقال من الحرمة الى الوجوب لا ينافي ظهور خلافه قبل قيام الدليل عليه ، وكذا الحال في وروده في المقام للوجوب وغيره ؛ إذ إرادة الوجوب منه لقيام القرينة المعارضة للقرينة المفروضة لا يقضي بحمله عليه مع انتفائها.
وبالجملة : أنّه يكفي في القرينة الصارفة مجرّد الظهور ، فلا ينافيها جواز التصريح بخلافها ولا قيام قرينة تعارضها وتترجّح عليها.
ودعوى حصول التضادّ بين جميع الأحكام فكما يستبعد الانتقال الى الوجوب كذا يستبعد الانتقال الى غيره مدفوعة ، بأنّه ليس الاستبعاد الحاصل في المقام لمجرّد التضادّ بين الحكمين ، بل من جهة غاية التضادّ الحاصل بينهما ووقوعهما في الطرفين ، وهو غير حاصل فيما عدا الوجوب والتحريم.
وأمّا الثاني فبالفرق الظاهر بين الحظر العقلي من جهة البدعية وغيرها ، والحظر المصرّح به في كلام الشارع ، فإنّ المنع هناك إنّما يجيء لعدم أمر الشارع به وإذنه في الإتيان به فلا يزاحمه الأمر بالفعل بوجه من الوجوه ، بخلاف المقام ، لوضوح غاية المباينة بين الحكم بتحريم الإتيان بالشيء والحكم بوجوبه ، فلا يلتزم به إلّا مع قيام دليل واضح عليه ، وأمّا مجرّد الأمر به فلا يكفي في الدلالة عليه لكثرة إطلاق الأمر في غير مقام الإيجاب ، فيكون الاستبعاد المذكور قرينة على حمله على غير الوجوب حسب ما مرّت الإشارة اليه ، مع أنّ عمدة المستند في المقام هو الرجوع الى فهم العرف ، والفرق بين المقامين ظاهر بعد الرجوع اليه.
وأمّا الثالث فلأنّ حمل عدّة من الأوامر على الوجوب من جهة قيام الإجماع عليه أو لشواهد اخر مرشدة اليه لا يفيد ظهور الأمر حينئذ في الوجوب مع قطع النظر عن تلك القرائن المعارضة لورود الأمر عقيب الحظر.
وأمّا دعوى انصراف قوله : «اخرج من المحبس الى المكتب» الى الوجوب فلعلّه بضميمة المقام ، فإنه نظير اخرج من هذا المحبس الى محبس آخر ؛ إذ لا يقال