بعد تعلّق اليقين بالحالة السابقة والشكّ بالحالة اللاحقة مع أنّهما أمران متغايران ، فكيف ينطبق هنا قوله : «لا ينقض اليقين بالشكّ»؟
والتحقيق : أنّ هذا الإشكال باعث لالتزام المحقّق الهمداني قدسسره باليقين التقديري والمحقّق النائيني رحمهالله باليقين بالحدوث والبقاء ، ولكن يتصوّر : أوّلا : أن يكون متعلّق اليقين والشكّ شيئا واحدا في زمان واحد ، وهو ممتنع.
وثانيا : أن يكون متعلّق اليقين طهارة الثوب ـ مثلا ـ عند الزوال ، ومتعلّق الشكّ أيضا طهارة الثوب عند الزوال ، ولكن زمان اليقين أوّل الظهر ، وزمان الشكّ ساعتين بعده ، وهذه قاعدة اليقين.
وثالثا : أن يكون متعلّق اليقين والشكّ شيئا واحدا ، مثل طهارة الثوب ، إلّا أنّ المتيقّن والمشكوك مختلفان من حيث الزمان ، إذ المتيقّن طهارة الثوب عند الزوال ، والمشكوك بقاؤها ساعتين بعده ، ويهدينا إلى هذا المعنى التعليل الذي بمنزلة الصغرى في الرواية ، وهو قوله : «فإنّه على يقين من وضوئه» ، وهذا هو مجرى الاستصحاب وإن كان خلاف الظاهر ولكن لا محيص من الالتزام به.
ويمكن أن يقال : إنّ قوله : «لا ينقض اليقين بالشكّ» لا يكون حكما تعبّديّا محضا ، بل هو ناظر إلى ما هو المرتكز عند العقلاء ، سيما قوله : «ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ» ، فإنّه ناظر ظاهرا إلى أنّ نقض اليقين بالشكّ مخالف للسيرة المستمرّة بين العقلاء ، وبعد الرجوع إلى ما هو المرتكز عند العقلاء يستفاد اختصاص بنائهم بذلك في موارد الشكّ في الرافع دون موارد الشكّ في المقتضي.
قلنا : إنّ تمسّك العقلاء في الجملة بالاستصحاب لا شبهة فيه ، ولعلّ ما هو القدر المتيقّن من بنائهم خصوص الشكّ في الرافع ، ولم يحرز لنا بناؤهم في الشكّ