وحينئذ فالملاك في تحقّق البيان الذي لا يقبح العقاب والمؤاخذة معه هو أن أمر الله تعالى رسوله بتبليغه ، وقد بلّغه الرسول على نحو المتعارف ، وصار مضبوطا في الكتب المعدّة له ، ومع فقدان أحد هذه الشروط يصدق عدم البيان ويقبح العقاب معه ، وحينئذ فمع احتمال المكلّف ثبوت التكليف المبيّن الواصل بحيث لو فحص لظفر به لا يجوز الاعتماد على البراءة التي مدركها قبح العقاب بلا بيان ، كما أنّ العبد العرفي لو وصل إليه مكتوب من ناحية مولاه واحتمل أن يكون المكتوب متضمّنا لبعض التكاليف لا يجوز له القعود عنه بعدم مراجعته استنادا إلى أنّ المولى لم يبيّن حكمه ، ولا يكون مثل هذا العبد معذورا عند العقلاء جزما ، كما لا يخفى.
ثمّ إنّه قد يستشكل في وجوب الفحص وعدم جريان البراءة قبله بأنّ الحكم ما لم يتّصف بوصف المعلوميّة لا يكون باعثا ومحرّكا ؛ ضرورة أنّ البعث بوجوده الواقعي لا يصلح للمحرّكيّة ، وإلّا لكان اللازم تحقّق الانبعاث بالنسبة إلى الجاهل به المعتقد عدمه ، بل قد عرفت سابقا أنّه لا يعقل أن يكون الانبعاث مسبّبا عن البعث الواقعي ، بل الانبعاث دائما مسبّب عن البعث بوجوده العلمي الذي هو الصورة الذهنيّة الكاشفة عنه ، والأوامر إنّما تتّصف بالباعثيّة والمحرّكيّة بالعرض ، كما أنّ اتّصافها بوصف المعلوميّة أيضا كذلك ؛ ضرورة أنّ المعلوم بالذات إنّما هو نفس الصورة الحاضرة عند النفس ، كما حقّق في محلّه.
والحاصل : أنّ البعث الواقعي لا يكون باعثا ما لم يصر مكشوفا ، والكاشف عنه إنّما هو العلم ونحوه ، وأمّا الاحتمال فلا يعقل أن يكون كاشفا ، وإلّا لكان اللازم أن يكشف عن طرفي الاحتمال ـ أي الوجود والعدم ـ فمع الاحتمال