لا يكون البعث الواقعي محرّكا وباعثا ، وبدون الباعثيّة لا يمكن أن يكون منجّزا ، ومع عدم التنجّز لا وجه لاستحقاق العقوبة على مخالفته ، ولا فرق في هذا بين كون المكلّف قادرا على الفحص وعدمه.
ويرد عليه : أوّلا : النقض بما إذا قامت الحجّة المعتبرة من قبل المولى على ثبوت التكليف وفرض عدم إفادتها الظنّ ، بل كان التكليف مع قيام الأمارة أيضا مشكوكا أو مظنون الخلاف ، فإنّه يجري فيه هذا الإشكال ، ومقتضاه حينئذ عدم ثبوت العقاب على مخالفته على تقدير ثبوته في الواقع ، مع أنّه واضح البطلان ، وإلّا يلزم لغويّة اعتبار الأمارة ، كما هو واضح. مضافا أنّه لا يلتزم به المستشكل أيضا.
وثانيا : الحلّ بأنّه لا نسلّم أن تكون المنجزيّة متفرّعة على الباعثيّة ؛ لأنّ المنجّزيّة الراجعة إلى صحّة عقوبة المولى على المخالفة والعصيان حكم عقلي ، وقد عرفت أنّ العقل يحكم بعدم المعذّريّة ، وبصحّة العقوبة لو بيّن المولى التكليف بنحو المتعارف ، بحيث كان العبد متمكّنا من الاطّلاع عليه بالمراجعة إلى مظانّ ثبوته ولم يراجع ، فخالف اعتمادا على البراءة كما عرفت في مثال المكتوب الواصل من المولى إلى العبد ، ويحتمل اشتماله على بعض التكاليف ، والظاهر أنّ هذا من الوضوح بمكان ، فلا مجال لهذا الإشكال.
ثمّ إنّه قد يقرّر وجوب الفحص بوجه آخر ، ومحصّله : أنّ ارتكاب التحريم قبل الفحص ومراجعة مظانّ ثبوته ظلم للمولى ، والظلم قبيح محرّم خصوصا ظلم المولى ، فلو اقتحم في المشتبه قبل الفحص يستحقّ العقوبة لأجل ظلم المولى ، كما أنّه في موارد التجرّي يستحقّ العقوبة عليه وإن كان لا يستحقّ العقوبة على مخالفة الواقع في المقامين.