لا بلحاظ كشفه عن الواقع بدون التخلّف ، كأنّه يقول : «لا تنقض اليقين الذي هو حجّة بالشكّ ، الذي ليس بحجّة» ، وهذا الملاك يتحقّق في سائر الأمارات والطرق المعتبرة أيضا ، فالشكّ باعتبار عدم حجّيّته وعدم إحرازه للواقع لا ينقض اليقين الذي هو حجّة ومحرز له ؛ فإنّه لا ينبغي أن ترفع اليد عن الحجّة بغير الحجّة ، فيلحق الظنّ المعتبر باليقين ، والظنّ الغير المعتبر بالشكّ.
هذا توضيح ما ذكره استاذنا السيّد الإمام قدسسره في المقام ، ثمّ ذكر مؤيّدات له وقال : «ويؤيّد ذلك ـ بل يدلّ عليه ـ قوله في صحيحة زرارة الثانية : «لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثمّ شككت ، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبدا» (١) الظاهر منه إجراء استصحاب طهارة اللباس ، ولا بدّ أن تحمل الطهارة على الواقعيّة منها ؛ لعدم جريان الاستصحاب في الطهارة الظاهريّة لما ذكرنا سابقا. ومعلوم أنّ العلم الوجداني بالطهارة الواقعيّة ممّا لا يمكن عادة ، بل العلم إنّما يحصل بالأمارات كأصالة الصحّة ، وإخبار ذي اليد ، وأمثالهما ، فيرجع مفاده إلى أنّه لا ترفع اليد عن الحجّة القائمة بالطهارة بالشكّ.
بل يمكن أن يؤيّد بصحيحته الاولى أيضا ؛ فإنّ اليقين الوجداني بالوضوء الصحيح أيضا ممّا لا يمكن عادة ، بل الغالب وقوع الشكّ في الصحة بعده ، ويحكم بصحّته بقاعدة الفراغ ، بل الشكّ في طهارة ماء الوضوء يوجب الشكّ فيه ، فاليقين بالوضوء أيضا لا يكون يقينا وجدانيّا غالبا ، تأمّل» (٢).
فلا يكون اليقين فيهما في مقابل الأمارات المعتبرة فيستفاد منهما صحّة جريان الاستصحاب في موارد الطرق والأمارات المعتبرة.
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٤٦٦ ، الباب ٣٧ من أبواب النجاسات ، الحديث ١.
(٢) الاستصحاب : ٨١ ـ ٨٢.