وربّما يقال بعدم جريان الاستصحاب في هذا القسم من أقسام استصحاب الكلّي ؛ نظرا إلى أنّه لا بدّ في جريان الاستصحاب من إحراز صدق عنوان نقض اليقين بالشكّ على رفع اليد عن اليقين السابق بعد جواز إحراز عالميّة زيد ـ مثلا ـ في صورة الشكّ فيه بالتمسّك بعموم إكرام كلّ عالم ، فإنّه من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة ، وفي المقام لم يحرز هذا ؛ لأنّه بعد اليقين بارتفاع الفرد المتيقّن ـ أي زيد في المثال ـ واحتمال انطباق العنوان الآخر ـ أي المتكلّم ـ عليه يحتمل أن يكون رفع اليد عن اليقين به من نقض اليقين باليقين ، فلا يمكن التمسّك بقوله : «لا تنقض اليقين بالشكّ» ، فإنّه من التّمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة.
وجوابه : أنّ احتمال الانطباق إنّما هو في نفس العنوان لا بوصف أنّه متيقّن ، فإنّه بهذا الوصف يستحيل انطباقه على الفرد الأوّل بالضرورة ، ففي المثال المتقدّم إنّما نحتمل انطباق نفس عنوان المتكلّم على زيد ، إلّا أنّه بوصف أنّه متيقّن لا يحتمل أن ينطبق عليه ، فبعد اليقين بوجود المتكلّم في الدار لا يرتفع هذا اليقين باليقين بخروج زيد منها ، بل الشكّ في بقائه فيها موجود بالوجدان ، فلا مانع من جريان الاستصحاب فيه.
وبالجملة ، الشبهة المصداقيّة غير متصوّرة في الاصول العلميّة ؛ لأنّ موضوعها اليقين والشكّ ، وهما من الامور الوجدانيّة ، فإمّا أن يكونا موجودين أو لا ، فلا معنى لقولنا : لا نعلم أنّا نشكّ في أمر كذا أم لا.
هذا تمام الكلام في استصحاب الكلّي ، وذكر أعاظم الفنّ تبعا للشيخ الأنصاري قدسسره في ذيل استصحاب الكلّي من القسم الثالث مسألة اختلافيّة بين المشهور والفاضل التوني قدسسره بالنسبة إلى استصحاب عدم التذكية وقد مرّ الكلام فيها مفصّلا في تنبيهات أصالة البراءة ، ولا نعيدها إعراضا عن التطويل.