والمثال للثاني : ما إذا علم أحد بوضوءين وبحدث ، ولكن لا يدري أنّ الوضوء الثاني كان تجديديّا ليكون الحدث بعدهما وباقيا فعلا ، أو كان رافعا للحدث ليكون متطهّرا فعلا ، فيمكن استصحاب كلّي الطهارة.
ولا شكّ في أنّ الاستصحاب في المثال الأوّل استصحاب الكلّي ، ولا شكّ في كونه قسما آخر في مقابل كلّي القسم الثاني والثالث ، فإنّه قد مرّ أنّه إذا علمنا بتحقّق كلّي الحيوان في الدار وشككنا في كونه في ضمن فرد قصير العمر أو طويل العمر ، فهو كلّي من القسم الثاني ، وإذا علمنا بتحقّق كلّي الإنسان في ضمن زيد ـ مثلا ـ في الدار وخروجه عنها ، وشككنا في تحقّق عمرو فيها مقارنا مع دخول زيد فيها أو مقارنا لخروجه عنها ، فهو كلّي من القسم الثالث. وفي ما نحن فيه علمنا بوجود زيد في الدار وخروجه عنها وعلمنا أيضا بوجود متكلّم فيها ، وشككنا في انطباق هذا العنوان الكلّي على زيد أو غيره.
وأمّا الاستصحاب في المثال الثاني على فرض جريانه ، فلا يكون استصحابا كلّيّا ، فإنّ استصحاب الجنابة الحاصلة عقيب هذا المنيّ المشخّص الموجود في الثوب استصحاب شخصي ؛ إذ الجنابة بهذه الأوصاف لا يمكن أن تكون كلّيّة ، والشكّ في زمان الجنابة لا يوجب كلّيّتها.
وهكذا استصحاب الطهارة في المثال الثالث ليس باستصحاب الكلّي ؛ إذ المتيقّن والمستصحب في الواقع عبارة عن الطهارة الحاصلة بعد الوضوء الثاني ، سواء كان تجديديّا أو رافعا للحدث ، والترديد في سبب هذه الطهارة أنّه وضوء الأوّل والثاني ، والترديد في سببيّتها لا يوجب كلّيّتها ، فهذان المثالان خارجان عن تحت عنوان استصحاب الكلّي ، فيبقى المثال الأوّل فقط ، ويجري استصحاب الكلّي ، فإنّا كنّا متيقّنين بوجود المتكلّم الكلّي في الدار وبعد خروج زيد نشكّ في بقاءه فيها فنستصحب بقاءه.