وكان لصاحب الكفاية قدسسره تقرير آخر لشبهة النراقي قدسسره وهو قوله : «لا يقال : إنّ الزمان لا محالة يكون من قيود الموضوع وإن اخذ ظرفا لثبوت الحكم في دليله ؛ ضرورة دخل مثل الزمان فيما هو المناط لثبوته ، فلا مجال إلّا لاستصحاب عدمه.
فإنّه يقال : نعم لو كانت العبرة في تعيين الموضوع بالدقّة ونظر العقل ، وأمّا إذا كانت العبرة بنظر العرف فلا شبهة في أنّ الفعل بهذا النظر موضوع واحد في الزمانين ، قطع بثبوت الحكم له في الزمان الأوّل ، وشكّ في بقاء هذا الحكم له وارتفاعه في الزمان الثاني ، فلا يكون إلّا لاستصحاب ثبوته مجال.
لا يقال : فاستصحاب كلّ واحد من الثبوت والعدم يجري لثبوت كلا النظرين ـ أي العرف والعقل ـ ويقع التعارض بين الاستصحابين كما قيل» ، هذا إشارة إلى شبهة النراقي ، ثمّ قال في مقام الجواب عنها :
فإنّه يقال : «إنّما يكون ذلك [أي تعارض الاستصحابين] لو كان في الدليل [أي دليل الاستصحاب] ما بمفهومه يعمّ النظرين ، وإلّا فلا يكاد يصحّ إلّا إذا سبق بأحدهما ؛ لعدم إمكان الجمع بينهما ، لكمال المنافاة بينهما ، ولا يكون في أخبار الباب ما بمفهومه يعمّهما ، فلا يكون هناك إلّا استصحاب واحد ، وهو استصحاب الثبوت فيما إذا اخذ الزمان ظرفا ، واستصحاب العدم فيما إذا اخذ قيدا» (١).
والفرق بين هذا التقرير من الشبهة وما ذكرناه : أنّ هذا التقرير مبتن على نظر العقل والعرف ، بأنّ العرف قائل بالظرفيّة والعقل بالقيديّة ، فيقع التعارض بين الاستصحابين بخلاف ما ذكرناه من التقرير ، فإنّه مبتن على أخذ الزمان
__________________
(١) كفاية الاصول ٢ : ٣١٧ ـ ٣١٨.