المغلي ، لا المغلي المشكوك فيه ، واستصحاب الحلّيّة المنجّزة متقوّم بالشكّ ، فيكون لسانه إثبات الحلّيّة للمغلي المشكوك فيه بما هو كذلك ، ولا ريب في تقديم الأوّل على الثاني وحكومته عليه ، لأنه بإثبات الحرمة لذات المغلي يرفع الشكّ الذي هو موضوع استصحاب الحلّيّة ، فالاستصحاب الأوّل يجري قبل الغليان ، وبعد الغليان يكون المستصحب ـ أي الحكم التعليقي الذي يصير فعليّا متعلّقا بذات الموضوع ورافعا للشكّ ، فلا يبقى مجال لاستصحاب الحلّيّة التنجيزيّة (١).
والتحقيق : أنّ بيان الإمام رحمهالله في مقام الجواب عن المعارضة بيان دقيق لحكومة استصحاب الحرمة التعليقيّة على استصحاب الحلّيّة المطلقة ، إلّا أنّه صرّح بأنّ الحرمة التعليقيّة قبل تحقّق المعلّق عليه شرعيّة ، وهكذا الحرمة الفعليّة بعد تحقّق المعلّق عليه ، وهكذا ترتّبها عليها.
وهو لا يخلو عن مناقشة بأنّه كما أنّ الملازمة بين وجوب ذى المقدّمة ووجوب المقدّمة في باب مقدّمة الواجب تكون عقليّة ، كذلك لا يبعد أن يكون ترتّب الحرمة الفعليّة الشرعيّة بعد المعلّق عليه على الحرمة التعليقيّة الشرعيّة عقليّة ، ولكنّه لا يوجب الخلل في أصل غرضه من رفع الشكّ عن المسبّب تعبّدا بجريان الاستصحاب في السبب.
أمّا ما ذكره صاحب الكفاية رحمهالله من ارتباط الاستصحاب التنجيزي بالحلّيّة المغيّاة فهو أجنبي عن مراد المستشكل ، فإنّ مراده من الاستصحاب التنجيزي عبارة عن الحلّيّة المطلقة ، ويقول : إنّ الزبيب قبل الغليان حلال قطعا بالحلّيّة المطلقة ، وبعد الغليان نشكّ في بقائها وزوالها فنجري استصحاب بقاء الحلّيّة.
__________________
(١) الاستصحاب : ١٤٥ ـ ١٤٦.