ما ذكرنا ، لا ما يوهمه ظاهر كلامه من أنّ الحكم ثابت للكلّي كما أنّ الملكيّة له في مثل باب الزكاة والوقف العامّ حيث لا مدخل للأشخاص فيها ؛ ضرورة أنّ التكليف والبعث والزجر لا يكاد يتعلّق به من حيث أنّه كلّي ، بل لا بدّ من تعلّقه بالأشخاص ، وكذلك الثواب والعقاب المترتّب على الطاعة والمعصية ، وكان غرضه من عدم دخل الأشخاص عدم أشخاص خاصّة ، فافهم» (١).
وقال استاذنا السيّد الإمام رحمهالله «هاهنا شبهة اخرى ، وهى : أنّه من الممكن أن يكون المأخوذ في موضوع الحكم الثابت في الشرائع السابقة عنوان على نحو القضيّة الحقيقيّة ، لا ينطبق ذلك العنوان على الموجودين في عصرنا كما لو اخذ عنوان اليهود والنصارى ، فإنّ القضيّة وإن كانت حقيقيّة لكن لا ينطبق عنوان موضوعها على غير مصاديقه ، ففي قوله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما)(٢) ، إلى آخره كانت القضيّة حقيقيّة ، لكن إذا شكّ المسلمون في بقاء حكمها لهم لا يجري الاستصحاب ، كما لو ثبت حكم للفقراء وشكّ الأغنياء في ثبوته لهم لا يمكن إثباته لهم بالاستصحاب ، وهذا واضح جدّا» (٣).
وكان لبعض الأعلام رحمهالله أيضا نظير هذا الإشكال فإنّه قال : «إنّ النسخ في الأحكام الشرعيّة إنّما هو بمعنى الدفع وبيان أمد الحكم ؛ لأنّ النسخ بمعنى رفع الحكم الثابت مستلزم للبداء المستحيل في حقّه سبحانه وتعالى.
وقد ذكرنا غير مرّة أنّ الاهمال بحسب الواقع ومقام الثبوت غير معقول ، فإمّا أن يجعل المولى حكمه بلا تقييد بزمان ويعتبره إلى الأبد ، وإمّا أن يجعله
__________________
(١) كفاية الاصول ٢ : ٣٢٣ ـ ٣٢٥.
(٢) الأنعام : ١٤٦.
(٣) الاستصحاب : ١٤٨.