قال استاذنا السيّد الإمام رحمهالله : «إنّ الظاهر هو وجوب الفحص ، فإنّ العقل لا يحكم بقبح العقاب إلّا بعد الفحص واليأس عن إحراز الصغرى ـ أي الموضوع ـ والدليل على ذلك مراجعة العقلاء في امورهم. ألا ترى أنّه لو أمر المولى عبده بإكرام ضيفه وتردّد بين كون زيد ضيفه أم غيره ، وكان قادرا على السؤال من المولى والعلم بذلك ، هل يكون معذورا في المخالفة مع عدم الإكرام؟ كلّا ، فاللازم بحكم العقل الفحص والتتبّع في الشبهات الموضوعيّة أيضا» (١).
هذا ما ذكره رحمهالله هنا ولم يتعرّض إلى أزيد من ذلك ، والتحقيق : أنّه كلام جيّد وقابل للالتزام ، وأمّا البراءة النقليّة فقد يقع البحث فيها في الشبهات الموضوعيّة التحريميّة ، وقد يقع في الشبهات الموضوعيّة الوجوبيّة ، أمّا الشبهات الموضوعيّة التحريميّة ـ كالشكّ في أنّ مائع كذا خمر أو خلّ ـ فقد ادّعى الشيخ الأنصاري رحمهالله الإجماع على عدم وجوب الفحص فيها ، وجريان قاعدة الحلّيّة بدون الفحص ، وادّعاء الإجماع من مثله لا يكون قابلا للردّ ، إلّا أنّه من الأدلّة اللبّيّة لا بدّ من الاقتصار فيها على القدر المتيقّن ، فإنّ الفحص قد يحتاج إلى تعطيل الامور والمشقّة ومراجعة أهل الفنّ حتّى يتّضح الحال ، وقد لا يكون كذلك بل يتّضح الحال بأدنى السؤال مثلا ، والقدر المتيقّن منه هو الأوّل ، دون الثاني. نعم ، المستفاد من الأدلّة ومذاق الشرع هو التسهيل والتسامح في باب الطهارة والنجاسة ، وجريان قاعدة الطهارة في صورة الشكّ بدون أيّ نوع من التفحّص.
وأمّا الشبهات الموضوعيّة الوجوبيّة كالشكّ في تحقّق الاستطاعة في الحجّ والنصاب في الزكاة ونحو ذلك فقد ذكر المحقّق النائيني رحمهالله هنا تفصيلا جيّدا ،
__________________
(١) معتمد الاصول ٢ : ٣١٥.