الدليلين وجوب إكرام العلماء ، وكان مفاد الآخر حرمة إكرام الفسّاق ، وعلم من حال الآمر أنّه يبغض العالم الفاسق ويكرهه أشدّ كراهة من الفاسق الغير العالم ، فالعامّ الفاسق متيقّن الاندراج في عموم قوله : «لا تكرم الفساق» ، ويكون بمنزلة التصريح بحرمة إكرام العالم الفاسق ، فلا بدّ من تخصيص قوله : «أكرم العلماء» بما عدا الفسّاق منهم (١).
واستشكل عليه استاذنا السيّد الإمام قدسسره : أولا : بأنّ القدر المتيقّن الذي يوجب أن يكون الدليل نصّا بالنسبة إليه هو ما يوجب الانصراف ، وليس له فردان ، فرد موجب للانصراف ، وفرد غير موجب له ، ومع وجود الانصراف لا تعارض بين الدليلين أصلا ، بل يصيران من قبيل العامّ والخاصّ المطلق الذي عرفت أنّه لا يصدق عليهما عنوان التعارض أصلا.
وثانيا : أنّه على تقدير تسليم كون القدر المتيقّن مطلقا موجبا لصيرورة الدليل نصّا بالنسبة إليه نقول : تخصيص ذلك بخصوص ما إذا كان هنا قدر متيقّن في مقام التخاطب لا وجه له ؛ فإنّ النصوصيّة على تقديرها ثابتة بالنسبة إلى مطلق القدر المتيقّن ، سواء كان في مقام التخاطب أو في غير هذا المقام.
وثالثا ـ وهو العمدة في الجواب ـ : أنّ المراد بالقدر المتيقّن إن كان هو المقدار الذي علم حكمه بحيث لم يكن في الحكم المتعلّق به ريب ولا شبهة ، مثلا : علم في المثال أنّ العالم الفاسق محرّم الإكرام ، فمع وجود هذا العلم يتحقّق الانصراف بالنسبة إلى الدليل الآخر الدالّ بظاهره على وجوب إكرام العلماء عموما ؛ فإنّه مع العلم بعدم وجوب إكرام العالم الفاسق بل حرمته كيف يبقى الشكّ في مقدار دلالة ذلك الدليل وإن كان ظاهره العموم؟
__________________
(١) فوائد الاصول ٤ : ٧٢٨.