للاستهجان العقلي لا يغيّر حال الدلالة أصلا ، مع أنّ لازم ذلك أن يكون لمثل «أكرم العلماء» دلالتان : إحداهما الدلالة النصّيّة بالنسبة إلى حدّ التخصيص المستهجن ، والاخرى الدلالة الظهوريّة بالنسبة إلى الأقلّ منه ، وما سمعنا بهذا في آبائنا الأوّلين.
وثانيا : أنّ استلزام تقديم العامّ الآخر للتخصيص المستهجن إنّما يمنع من التقديم ، ولا يوجب تقديم ما يلزم من تخصيصه ذلك ، فيمكن معاملتهما معاملة المتعارضين ، فالدليل لا ينطبق على المدّعي ؛ إذ المدّعى هو تقديم ما يلزم من تخصيصه الاستهجان ، والدليل لا يدلّ إلّا على المنع من تقديم العامّ الآخر الذي لا يوجب تخصيصه ذلك.
ومنها : ما إذا كان أحد الدليلين واردا مورد التحديدات والأوزان والمقادير والمسافة ونحو ذلك ؛ فإنّ وروده في هذه الموارد يوجب قوّة الظهور في المدلول بحيث يلحقه بالنصّ ، فيقدّم على غيره عند التعارض (١) انتهى.
ويرد عليه : أوّلا : أنّ الفرق بين الأدلّة الواردة في مقام التحديدات وغيرها ليس بصحيح ؛ إذ المعيار في تشخيص مفاد الروايات هو نظر العرف الدقّيّ ، بلا فرق بين ما ورد في مقام التحديد وغيره ، كما لا يخفى.
وثانيا : أنّ النتيجة في الروايات الواردة في مقام التحديد أيضا تختلف بملاحظات مختلفة ، كما في مسألة الكرّ ـ أي ثلاثة أشبار ونصف في ثلاثة أشبار ونصف في ثلاثة أشبار ونصف ـ فإنّ الشبر المتوسط ـ مثلا ـ يختلف بالنسبة إلى الأشبار المتوسطة ، وهكذا ، فكيف تكون في مفادها نصّا؟ فلذا نرى البحث والإشكالات المهمّة في هذه المسألة بين الفقهاء بلحاظ اختلاف نتيجة التحديد
__________________
(١) المصدر السابق.