ثبوت الحكم لمورد الاجتماع.
ثمّ إنّ منشأ ظهور الدليل المنسوخ في استمرار الحكم هو امور مختلفة ؛ إذ الاستمرار قد يستفاد من إطلاق الدليل وتماميّة مقدّمات الحكمة ، ولعلّه كثيرا ما يكون كذلك ، وقد يستفاد من عمومه الراجع إلى كلّ ما وجد وكان فردا له ، وهو الذي يعبّر عنه بالقضيّة الحقيقيّة ، كما في قوله تعالى : (لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(١) ، وقد يستفاد من الدليل اللفظيّ كقوله عليهالسلام : «حلال محمّد صلىاللهعليهوآله حلال إلى يوم القيامة وحرامه صلىاللهعليهوآله ، حرام إلى يوم القيامة» (٢) ، وقول المولى ـ مثلا ـ : هذا الحكم يستمرّ إلى يوم القيامة.
إذا عرفت ذلك فنقول : إذا كانت صورة الدوران بين النسخ والتخصيص من قبيل الصورة الاولى من الصور الثلاثة المتقدّمة التي هي عبارة عن تقدّم العامّ ودوران الأمر بينهما في المتأخّر ، وفرض استفادة الاستمرار الزماني من إطلاق الدليل العامّ ـ أي كان لقوله : «أكرم العلماء» عموما أفراديّا وإطلاقا أزمانيّا ، ودار الأمر بين النسخ والتخصيص بمعنى التصرّف في إطلاقه الزماني أو عمومه الأفرادي ـ فقد يقال فيها : بأنّ مرجع هذا الدوران إلى الدوران بين التخصيص والتقييد ، وحيث قد رجّح الثاني على الأوّل كما مرّ فلا بدّ من الالتزام بتقديم النسخ عليه.
ولكنّه يرد عليه : بأنّ ترجيح التقييد على التخصيص فيما سبق إنّما هو فيما إذا كان العامّ والمطلق متنافيين بأنفسهما ولم يكن في البين دليل ثالث ، بل كان الأمر دائرا بين ترجيح العامّ وتقييد المطلق وبين العكس في مادّة الاجتماع ،
__________________
(١) آل عمران : ٩٧.
(٢) الكافي ١ : ١٩ ، الحديث ٥٨.