كقوله : «أكرم العلماء» مع قوله : «لا تكرم الفاسق» ، وفي ما نحن فيه لا منافاة بين العامّ والمطلق ـ أي العموم الأفرادي والإطلاق الأزماني المستفادان من قوله :«أكرم العلماء» أصلا ، بل التعاند بينهما إنّما نشأ من أجل دليل ثالث لا يخلو أمره من أحد أمرين : كونه مخصّصا للعموم الأفرادي ، ومقيّدا للإطلاق الأزماني ، ولا دليل على ترجيح أحدهما على الآخر بعد كون كلّ واحد منهما دليلا تامّا ، بخلاف ما هناك ؛ فإنّ التعارض من أوّل الأمر كان بين العامّ الذي هو ذو لسان ، وبين المطلق الذي هو ألكن (١) ، ومن الواضح أنّه لا يمكنه أن يقاوم ذا اللسان كما لا يخفى.
ثمّ أنّه قد يقال : بأنّ الأمر في المقام دائر بين التخصيص والتقييد معا ، وبين التقييد فقط ؛ ضرورة أنّه في التخصيص لا بدّ من الالتزام بتقييد الإطلاق المقامي الدّال على الاستمرار الزماني أيضا ، وهذا بخلاف العكس.
ومن الواضح أنّه مع كون الأمر هكذا لا مجال للإشكال في ترجيح التقييد ، كما هو واضح.
ويرد عليه : منع كون التخصيص مستلزما للتقييد أيضا ؛ ضرورة أنّه بالتخصيص يستكشف عدم كون مورد الخاصّ مرادا من الأمر ، ومعه لا يكون الدليل الدالّ على الاستمرار الزمانيّ شاملا له من رأس ؛ لعدم كونه موضوعا له ؛ ضرورة أنّ موضوعه هو الحكم الثابت في زمان.
وقد يقال في المقام أيضا : بأنّ العلم الإجمالي بالتخصيص أو النسخ يرجع إلى دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر ؛ لأنّ عدم ثبوت حكم العامّ بالنسبة إلى مورد الخاصّ بعد ورد الخاصّ متيقّن على أيّ تقدير ، سواء كان على نحو
__________________
(١) اللكنة : عجمة في اللسان وعيّ ؛ يقال : رجل ألكن بيّن اللكنة ؛ الصحاح ٦ : ٢١٩٦ (لكن).