عن الواقع وإراءته له وأماريّته بالنسبة إليه ، ومن الواضح أنّ الإراءة والكشف إنّما هو مع عدم ابتلائه بمعارض مماثل أو أقوى ؛ ضرورة أنّه مع هذا الابتلاء يتردّد الطريق والكاشف بينهما ؛ إذ لا يعقل كون كلّ واحد منهما مع وجود الآخر كاشفا ، وإلّا لزم الخروج عن حدّ التعارض ، ومع تردّد الطريق والكاشف وعدم وجود مرجّح في البين لا بدّ من التوقّف ؛ لأنّ الأخذ بالمجموع ممّا لا يمكن ، وبواحد ترجيح من غير مرجّح.
وهذا نظير ما لو أخبر مخبر واحد بخبرين متعارضين ، فكما أنّه لا يكون شيء من الخبرين هناك بكاشف ولا طريق ، كذلك لا يكون شيء من الخبرين هنا بكاشف.
ثانيهما : أنّ معنى حجّيّة الخبر إنّما هو عبارة عن صحّة احتجاج المولى به على العبد ، وهي متوقّفة على شروط ثلاثة : الأوّل : تحقّق البيان من المولى ، الثاني : ايصاله إلى العبد ، والثالث : عدم ابتلائه بالمانع ، وإن لم يكن كذلك لا يبقى للمولى حقّ المؤاخذة والاعتراض ، فإذا كانت صلاة الجمعة واجبة واقعا وكانت الأمارة الدالّة على ذلك غير واصلة إلى المكلّف لا يجوز للمولى المؤاخذة والاعتراض لأجل الترك ؛ لأنّ البيان الذي يسدّ باب البراءة العقليّة الراجعة إلى عدم استحقاق العقوبة مع عدم وصول التكليف إنّما هو البيان الواصل إلى المكلّف ، ومع الجهل به لا مخرج للمورد عن البراءة ، ومعلوم أنّ مع ابتلاء البيان الواصل بمعارض مماثل لا يصحّ للمولى الاحتجاج أصلا ، وهذا ممّا لا شبهة فيه.
فاتّضح أنّ الخبرين المتكافئين لا يكون شيء منهما حجّة بالنسبة إلى مدلولهما المطابقي.