وأمّا بالنسبة إلى المدلول الالتزامي الذي يشترك فيه الخبران ولا معارضة بينهما فيه ، كعدم الاستحباب والكراهة والإباحة فيما إذا قام أحد الخبرين على الوجوب والآخر على التحريم إذا تحقّق الاحتمال الثالث في البين ولا نعلم بانحصار الحكم الواقعي فيهما ، فلا شبهة في حجّيّتهما بالنسبة إليه ، إنّما الإشكال في أنّ الحجّة بالنسبة إليه ، هل هو كلا الخبرين أو واحد منهما معيّن بحسب الواقع ، وهو الخبر الذي لم يعلم كذبه؟
ويستفاد من كلام المحقّق النائيني رحمهالله القول بالأوّل حيث قال في مقام بيان توهّم سقوط المتعارضين عن الحجّيّة بالنسبة إلى نفي الثالث أيضا : «إنّ الدلالة الالتزاميّة فرع الدلالة المطابقيّة ، وبعد سقوط المتعارضين في المدلول المطابقي لا مجال لبقاء الدلالة الالتزاميّة لهما في نفي الثالث».
ثمّ قال في مقام دفع التوهّم وبيان فساده : «إن الدلالة الالتزاميّة إنّما تكون فرع الدلالة المطابقيّة في الوجود لا في الحجّيّة».
ثمّ قال : «وبعبارة أوضح : الدلالة الالتزاميّة للكلام تتوقّف على دلالته التصديقيّة ـ أي دلالته على المؤدّى ـ وأمّا كون المؤدّى مرادا فهو ممّا لا يتوقّف عليه الدلالة الالتزاميّة ، فسقوط المتعارضين عن الحجّيّة في المؤدّى لا يلازم سقوطهما عن الحجّيّة في نفي الثالث ؛ لأنّ سقوطهما عن الحجّيّة في المؤدّى إنّما كان لأجل التعارض ، وأمّا في نفي الثالث فلا معارضة بينهما ، بل يتّفقان فيه ، فيكونان معا حجّة في عدم الثالث» (١).
ويرد عليه : أنّه مع العلم بكذب أحدهما واقعا بالنسبة إلى المدلول المطابقي ـ لكونه لازم لا ينفكّ عن التعارض ـ كيف يمكن كونه حجّة بالنسبة إلى
__________________
(١) فوائد الاصول ٤ : ٧٥٥ ـ ٧٥٦.