المدلول الالتزامي؟ ألا ترى أنّه لو كان كان هنا خبر واحد فقط مع عدم الابتلاء بالمعارض وعلم من الخارج بكذبه ، فهل يرضى أحد مع ذلك بكون العلم بالكذب يوجب سقوطه في خصوص مدلوله المطابقي ، وأمّا المدلول الالتزامي فهو بالنسبة إليه حجّة؟! وكذلك المقام ، فإنّا لا نتعقّل مع العلم بكذب واحد من الخبرين أن يكونا معا حجّة بالنسبة إلى نفي الثالث الذي هو من اللوازم العقليّة للمدلول المطابقي.
فالحقّ ما اختار المحقّق الخراساني رحمهالله من كون الحجّة على نفي الثالث هو أحدهما الغير المعيّن الذي هو الخبر الذي لم يعلم كذبه ؛ لا الخبرين معا (١).
وأمّا ما ذكر المحقّق النائيني رحمهالله من التفكيك بين الوجود والحجّيّة فلا دليل عليه ؛ إذ الخبر إذا كان حجّة يكون مدلوله المطابقى موجودا ، ومع الوجود لا مجال للتفكيك بين المدلولين ، وليست الدلالة الالتزاميّة من الدلالات اللفظيّة حتّى لا يكون دلالة اللفظ عليها متوقّفة على دلالته على المدلول المطابقي وإن عدّت هذه الدلالة في المنطق من جملة تلك الدلالات ، وذلك لأنّ دلالة اللفظ على أمر خارج عمّا وضع له مع عدم كونه مجازا ممّا لا يتصوّر ، بل قد عرفت أنّ في المجازات أيضا لا يكون اللفظ دالّا إلّا على المعنى الحقيقي ، والمعنى المجازي هو المعنى الحقيقي ادّعاء.
إن قلت : إنّ الالتزام بهذا المعنى يوجب عدم حجّيّة المتعارضين في نفي الثالث ، فإنّ بعد كون نفي الثالث معنى التزاميّا ، وتبعيّته للمدلول المطابقي وعدم ارتباطه باللفظ مستقيما ، وسقوطهما عن الحجّيّة بالنسبة إلى المدلول المطابقي لا يبقى دليل لنفي الثالث ولا طريق له.
__________________
(١) كفاية الاصول ٢ : ٣٨٥.