ذكرنا حجّيّة الروايات المتعارضة بالنسبة إلى نفي الثالث ، فكلّ من الروايات الدالّة على التخيير والتوقّف ينفي التساقط بالاشتراك.
ما قيل في وجه الجمع بين هاتين الطائفتين أو الطوائف من الأخبار
وقد وقع الاختلاف فيه وما قيل في ذلك وجوه :
منها : ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله من أنّ مقتضى التحقيق في الجمع بينها هو أنّ النسبة بين ما دلّ على التخيير في زمان الحضور وبين ما دلّ على التخيير المطلق وإن كانت هي العموم والخصوص ، وكذا بين روايات التوقّف ، إلّا أنّه لا منافاة بينهما ؛ لعدم المنافاة بين التوقّف المطلق والتوقّف في زمان الحضور ، وكذا بين التخييرين ، فالتعارض بين ما دلّ على التخيير وبين ما دلّ على التوقّف ، غايته أنّ التعارض بين ما دلّ على التوقّف والتخيير مطلقا يكون بالعموم من وجه ، وبين ما دل على التوقّف والتخيير في زمان الحضور يكون بالتباين.
ولا يهمّنا البحث في الثاني ، فإنّه لا أثر له ، فالحريّ رفع التعارض في الأوّل ، وقد عرفت أنّ النسبة بينهما العموم من وجه ، لكن نسبة ما دلّ على التخيير مطلقا مع ما دلّ على التوقّف في زمان الحضور هي العموم والخصوص ، فلا بدّ من تقييد إطلاق التخيير به ، وبه يتحقّق انقلاب النسبة من العموم من وجه إلى العموم المطلق ، ومقتضى الصناعة حمل أخبار التوقّف على زمان الحضور والتمكّن من ملاقاة الإمام عليهالسلام ، فتصير النتيجة هي التخيير في زمان الغيبة كما عليه المشهور (١) ، انتهى كلامه ملخّصا.
ويرد عليه أوّلا : أنّه لم يظهر لنا أنّ النسبة بين ما دلّ على التخيير مطلقا وبين ما دلّ على التوقّف كذلك كيف تكون بالعموم من وجه بعد شمول كلّ منهما
__________________
(١) فوائد الاصول ٤ : ٧٦٤ ـ ٧٦٥.