الأخيرتين أيّهما؟ بعد عدم الإشكال في تقدّم موافقة الشهرة الفتوائيّة عليهما وبعد إطلاق الروايات الواردة فيهما ، إلّا أنّ مصحّحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله المتقدّمة ترفع النزاع ، لصراحتها في تقدّم الترجيح بموافقة الكتاب على الترجيح بمخالفة العامّة ، فالظاهر من الأخبار العلاجيّة بعد الدقّة والتأمّل : أنّ الواجب علينا رعاية هذه المرجّحات المنصوصة ورعاية الترتيب بينها في الخبرين المتعارضين ، ولا يصحّ الالتزام بالاستصحاب للتعدّي عن المرجّحات المنصوصة إلى غيرها.
وهل اللازم في باب الترجيح الاقتصار على خصوص المرجّحات المنصوصة التي عرفت انحصارها بالثلاثة المذكورة أو أنّه يتعدّى منها إلى كلّ ما يمكن أن يكون مرجّحا ، كما حكي عن جمهور المجتهدين الذاهب إليه ، بل ادّعى بعضهم عدم ظهور الخلاف في وجوب العمل بالراجح من الدليلين ، بل ادّعي الإجماع عليه بعد أن حكاه عن جماعة.
واستدلّ الشيخ الأعظم رحمهالله في كتاب الرسائل بوجوه للتعدّي عنها كالترجيح بالأصدقيّة في المقبولة وبالأوثقيّة في المرفوعة ، بأنّ اعتبار هاتين الصفتين ليس إلّا لترجيح الأقرب إلى مطابقة الواقع في نظر الناظر في المتعارضين ، فنتعدّى من صفات الراوي المرجّحة إلى صفات الرواية الموجبة لأقربيّة صدورها (١).
ولكنّك عرفت أنّ هذه الأوصاف مرجّحات للقاضيين والحاكمين ولا دخل لها بباب الرواية ، خصوصا بعد ملاحظة أنّ الغرض في باب القضاء ، هو فصل الخصومة واختتام النزاع ، فلا مجال للتخيير فيه ، فلا يمكن أن يكون كلّ
__________________
(١) فرائد الاصول ٢ : ٧٨١.