ما كان مرجّحا في باب القضاء يكون في باب الفتوى أيضا مرجّحا ؛ إذ لا دليل لتحقّق الملازمة بينهما ، كما لا يخفى.
الوجه الثاني الذي استدلّ به الشيخ رحمهالله للتعدّي : هو تعليل الإمام عليهالسلام الأخذ بالمشهور بقوله : «فانّ المجمع عليه لا ريب فيه» ، وقال : توضيح ذلك : «إنّ معنى كون الرواية مشهورة كونها معروفة عند الكلّ ، كما يدلّ عليه فرض السائل كليهما مشهورين ، والمراد بالشاذّ : ما لا يعرفه إلّا القليل ، ولا ريب أنّ المشهور بهذا المعنى ليس قطعيّا من جميع الجهات ـ قطعي المتن والدلالة ـ حتّى يصير ممّا لا ريب فيه ، وإلّا لم يكن فرضهما مشهورين ، ولا الرجوع إلى صفات الراوي قبل ملاحظة الشهرة ، ولا الحكم بالرجوع مع شهرتهما إلى المرجّحات الأخر ، فالمراد بنفي الريب نفيه بالإضافة إلى الشاذّ ، ومعناه أنّ الريب المحتمل في الشاذّ غير محتمل فيه ، فيصير حاصل التعليل ترجيح المشهور على الشاذّ بأنّ في الشاذّ احتمالا لا يوجد في المشهور ، ومقتضى التعدّي عن مورد النصّ في العلّة وجوب الترجيح بكلّ ما يوجب كون أحد الخبرين أقلّ احتمالا لمخالفة الواقع» (١). انتهى.
ويرد عليه : سلّمنا أنّه لو كان للموضوع حكما معلّلا ـ كما في قولنا : «لا تشرب الخمر لأنّه مسكر» ـ يفهم العرف أنّ تمام الملاك لحرمة الشرب هو السكر ، وأنّ الحكم دائر مدار وجود العلّة ، وأمّا في المقبولة فليس الأمر كذلك ، فإنّ العلّة المذكورة عند ذكر الشهرة لا نرى منها أثرا عند ذكر موافقة الكتاب بعنوان المرجّح ، وهكذا عند ذكر مخالفة العامّة كذلك ، وإن كانت العلّة المذكورة مناطا لجميع المرجّحات فلا وجه لرعاية الترتيب بينها ، فيستفاد من ذلك أنّ
__________________
(١) فرائد الاصول ٢ : ٧٨١.