ثمّ قال بعد بيان هذه المقدّمة : «إنّ قوله «لا ضرر» يكون من قبيل القضيّة الخارجيّة لتوجّهه إلى الأحكام المجعولة المحقّقة في الشريعة : فإنّ ظاهر إطلاقها يقتضي عدم الفرق بين كونها ضرريّا أو غير ضرري ، فينبغي بقوله : «لا ضرر» ما كان منها ضرريّا ، وقد عرفت أنّ تخصيص الأكثر في القضيّة الحقيقيّة قد يكون مستهجنا ، وقد لا يكون كذلك ، وأمّا في القضيّة الخارجيّة يكون مستهجنا أبدا ، سواء كان التخصيص بعنوان واحد ، أو بعناوين متعدّدة ؛ لتوجّهه إلى الأداة المفيدة للعموم ولا يرتبط بمدخوله ، فلا محالة يكون تخصيص الأكثر مستهجنا» (١). هذا تمام الكلام في مقام جواب ما ذكره الشيخ الأنصاريرحمهالله.
ولكنّه ليس بتامّ ، فإنّ الاختلاف بين القضيّة الحقيقيّة والقضيّة الخارجيّة بوحدة المناط في الأوّل وتعدّد المناط في الثاني خلاف التحقيق ؛ إذ الاختلاف يكون بسعة دائرة الكلّي والعموم وضيقها ، فإنّه قد يكون من العناوين التي تشمل الأفراد المحقّقة الوجود والمقدّرة الوجود معا ، وقد يكون من العناوين المنحصرة بالأفراد المحقّقة الوجود في الخارج.
ويرد عليه ـ بعد الإغماض عن ذلك ـ : أنّه لا شكّ في توجّه قوله : «لا ضرر» إلى جميع الأحكام المجعولة المستلزمة للضرر بمناط واحد ، وهو استلزام الحكم للضرر ، سواء كان حكما تكليفيّا أو حكما وضعيّا ، فكونه من القضيّة الخارجيّة ليس بتامّ ؛ لعدم انطباقه على مبناه.
والظاهر أنّ تخصيص الأكثر مستهجن مطلقا ، سواء كان بعنوان واحد أو متعدّد ، كما إذا قال : «أكرم العلماء» ، ثمّ قال : «لا تكرم غير المراجع من العلماء» ،
__________________
(١) قاعدة لا ضرر دروس الفقيه العظيم النائيني : ١٤٩ ـ ١٥١.