الأسد بوجوده الواقعي لكان اللازم عدم تحقّق الخوف بالنسبة إلى الجاهل ، مع أنّ الوجدان يشهد بخلافه.
فانقدح ممّا ذكر أنّ الانبعاث عن بعث المولى لا يتوقّف على وجوده في الواقع ، بل يتحقّق في صورة الجهل المركّب به ، والسرّ أنّ الانبعاث إنّما هو عن البعث بصورته الذهنيّة المعلومة بالذات ، وإلّا يلزم عدم انفكاك الانبعاث عن البعث ، فلا يتحقّق الانبعاث بدونه ، ولا البعث بدون الانبعاث ، ولازمه عدم تحقّق العصيان أصلا.
وحينئذ يظهر عدم إمكان تحقّق الإطاعة أصلا ولو في صورة العلم بعد كون المعتبر في حقيقتها هو كون الانبعاث مستندا إلى نفس البعث بوجوده الواقعي.
ويمكن تصوير ذلك بصورة البرهان بنحو الشكل الأوّل الذي هو بديهي الإنتاج بأن يقال : إنّ الإطاعة هو الانبعاث ببعث المولى ، ولا شيء من الانبعاث ببعث المولى بممكن التحقّق ، ينتج : فلا شيء من الإطاعة بممكن.
والجواب عن هذا الإشكال : أوّلا : أنّه لا دليل لاعتبار صدق الإطاعة في العبادات ، ولا منشأ له حتّى تصل النوبة إلى البحث عن المراد ، والمقصود من الإطاعة المأمور بها في قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ ...)(١) إلى آخره ، ليس إلّا مجرّد الموافقة وعدم المخالفة ، والدليل عليه أنّ إطاعة الرسول واولي الأمر لا بدّ ، وأن يكون المراد منها ذلك ، كما لا يخفى ، فاتّحاد السياق يقضي بكون المراد من إطاعة الله أيضا ليس إلّا مجرّد الموافقة.
وثانيا : أنّه لا يعتبر في تحقّق الإطاعة بنظر العرف والعقلاء إلّا وجود البعث
__________________
(١) آل عمران : ٣٢.