مُحْتَمِلَةً (١) لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، وَجَعَلَهُمْ (٢) ـ جَلَّ (٣) ذِكْرُهُ ـ صِنْفَيْنِ (٤) : صِنْفاً مِنْهُمْ أَهْلَ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ ، وَصِنْفاً مِنْهُمْ (٥) أَهْلَ الضَّرَرِ وَالزَّمَانَةِ (٦) ؛ فَخَصَّ أَهْلَ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، بَعْدَ مَا أَكْمَلَ لَهُمْ آلَةَ التَّكْلِيفِ ، وَوَضَعَ التَّكْلِيفَ عَنْ أَهْلِ الزَّمَانَةِ وَالضَّرَرِ ؛ إِذْ قَدْ خَلَقَهُمْ خِلْقَةً غَيْرَ مُحْتَمِلَةٍ لِلْأَدَبِ وَالتَّعْلِيمِ ، وَجَعَلَ عَزَّ وَجَلَّ سَبَبَ بَقَائِهِمْ أَهْلَ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ ، وَجَعَل بَقَاءَ أَهْلِ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ بِالْأَدَبِ وَالتَّعْلِيمِ. فَلَوْ كَانَتِ الْجَهَالَةُ جَائِزَةً لِأَهْلِ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ ، لَجَازَ وَضْعُ التَّكْلِيفِ عَنْهُمْ ، وَفِي جَوازِ ذلِكَ بُطْلَانُ الْكُتُبِ (٧) وَالرُّسُلِ وَالْآدَابِ ، وَفِي رَفْعِ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ وَالْآدَابِ فَسَادُ (٨) التَّدْبِيرِ ، وَالرُّجُوعُ إِلى قَوْلِ أَهْلِ الدَّهْرِ ؛ فَوَجَبَ في عَدْلِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَحِكْمَتِهِ أَن يَخُصَّ (٩) مَنْ خَلَقَ مِنْ خَلْقِهِ خِلْقَةً مُحْتَمِلَةً لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ؛ لِئَلاَّ يَكُونُوا سَدًى مُهْمَلِينَ ؛ وَلِيُعَظِّمُوهُ ،
__________________
أولى ؛ لأنّ الكلام في أصل الخلقة ، والفطنة والفطانة من الأمور العارضة ، ولأنّها أنسب بقوله : كلّ مولود يولد على الفطرة ... » ثمّ قال : « والظاهر أنّ الصورة الأولى ـ أي الفطن ـ من تصرّف الكتّاب ». راجع : شرح صدر المتألّهين ، ص ١٠.
(١) في « ألف » وحاشية « ج » : « متحمّلة ».
(٢) في « ج ، ض ، ف ، بح ، بر ، بف » وحاشية « بس » : « خلقهم ». وفي « بس » : « فجعلهم ».
(٣) في « و ، بح ، بس » وحاشية « بف » : « علا ».
(٤) في « بس » : « على صنفين ».
(٥) في « ب » : + « من ».
(٦) « الزَمانَة » هو المرض الذي يدوم زماناً ، والضرر مثْله. انظر : المغرب ، ص ٢١ ؛ المصباح المنير ، ص ٢٥٦ ( زمن ) ؛ لسان العرب ، ج ٤ ، ص ٤٨٣ ( ضرر ). وقال السيّد الداماد : « المراد بأهل الضرر مكفوفو البصر ، قال في الصحاح : رجل ضرير ، أي ذاهب البصر ». وقال صدر المتألّهين : « كأنهم ضرائر وزمناء في الجوهر الباطني ، والأوّل إشارة إلى قصور القوّة النظريّة التي يقال لها : العقل النظري ، والثاني إلى اختلال القوّة العمليّة التي يقال لها : العقل العملي ». وقيل غير ذلك. راجع : الرواشح ، ص ٥٥ ؛ شرح صدر المتألّهين ، ص ١٠ ؛ شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٤٠ ؛ مرآة العقول ، ج ١ ، ص ١٦.
(٧) في حاشية « ج » : + « الإلهية ».
(٨) في « بس » : + « أهل ».
(٩) في حاشية « ج » : « أن يحصر ». واختار السيد الداماد ذلك ، وجعله أَوْلى من اختيار بعض لـ « يخصّ » واختياربعضٍ آخر لـ « يحضّ ». فيكون المعنى : أنّ الأمر والنهي حاصران للخلق ، والخلقُ محصورون بهما. ويؤيّد ذلك قوله فيما بعد : « فكانوا محصورين بالأمر والنهى ». انظر : الرواشح ، ص ٥٦ ؛ التعليقة للداماد ، ص ١١ ؛ شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٤٣.