وَلَوْ (١) كَانُوا كَذلِكَ ، لَمَا بَقُوا طَرْفَةَ عَيْنٍ ، فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ بَقاؤُهُمْ إِلاَّ بِالْأَدَبِ وَالتَّعْلِيمِ ، وَجَبَ أَنَّهُ لَابُدَّ لِكُلِّ صَحِيحِ الْخِلْقَةِ ، كَامِلِ الْآلَةِ مِنْ مُؤَدِّبٍ وَدَلِيلٍ وَمُشِيرٍ ، وَآمِرٍ وَنَاهٍ ، وَأَدَبٍ وَتَعْلِيمٍ ، وَسُؤَالٍ وَمَسْأَلَةٍ.
فَأَحَقُّ مَا اقْتَبَسَهُ الْعَاقِلُ ، وَالْتَمَسَهُ الْمُتَدَبِّرُ (٢) الْفَطِنُ ، وَسَعى لَهُ الْمُوَفَّقُ الْمُصِيبُ ، الْعِلْمُ بِالدِّينِ ، وَمعرِفَةُ مَا اسْتَعْبَدَ اللهُ بِهِ خَلْقَهُ مِنْ تَوْحِيدِهِ ، وَشَرَائِعِهِ وَأَحْكَامِهِ ، وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ، وَزَوَاجِرِهِ وَآدَابِهِ ؛ إِذْ (٣) كانَتِ الْحُجَّةُ ثَابِتَةً ، وَالتَّكْلِيفُ لَازِماً ، وَالْعُمْرُ يَسِيراً ، وَالتَّسْويفُ غَيْرَ مَقْبُولٍ.
وَالشَّرْطُ مِنَ اللهِ ـ جَلَّ ذِكْرُهُ ـ فيمَا اسْتَعْبَدَ بِهِ خَلْقَهُ أَنْ يُؤَدُّوا جَمِيعَ فَرَائِضِهِ بِعِلْمٍ وَيَقِينٍ وَبَصِيرَةٍ ؛ لِيَكُونَ الْمُؤَدِّي لَهَا مَحْمُوداً عِنْدَ رَبِّهِ ، مُسْتَوْجِباً (٤) لِثَوَابِهِ وَعَظِيمِ جَزَائِهِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُؤَدِّي بِغَيْرِ عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ لَايَدْرِي مَا يُؤدِّي ، وَلَايَدْرِي إِلى مَنْ يُؤَدِّي ، وَإذا كانَ جَاهِلاً ، لَم يَكُنْ عَلى ثِقَةٍ مِمَّا أَدّى ، وَلَا مُصَدِّقاً ؛ لِأَنَّ الْمُصَدِّقَ لَايَكُونُ مُصَدِّقاً حَتّى يَكُونَ عَارِفاً بِمَا صَدَّقَ بِهِ مِنْ (٥) غَيْرِ شَكٍّ وَلَا شُبْهَةٍ ؛ لأَنَّ الشَّاكَّ لَايَكُونُ لَهُ مِنَ الرَّغْبَةِ والرَّهْبَةِ وَالْخُضُوعِ (٦) وَالتَّقَرُّبِ (٧) مِثْلُ مَا يَكُونُ مِن الْعَالِمِ (٨) الْمُسْتَيْقِنِ ، وَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( إِلاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (٩) فَصَارَتِ الشَّهَادَةُ مَقْبُولَةً لِعِلَّةِ الْعِلْمِ بِالشَّهَادَةِ ، وَلَوْ لَا الْعِلْمُ بالشَّهَادَةِ ، لَمْ تَكُنِ الشَّهَادَةُ مَقْبُولَةً.
وَالْأَمْرُ فِي الشَّاكِّ ـ المُؤَدِّي بِغَيْرِ عِلْمٍ وَبَصِيرَة ـ إِلَى اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ ، إِنْ شَاءَ تَطَوَّلَ
__________________
(١) في حاشية « ج » : « فلو ».
(٢) في « ألف » وحاشية « ج ، بس » : « المتديّن ». وفي « بس » : « المدبّر ».
(٣) في « ج » : « إذا ».
(٤) في « ف » : « ومستوجباً ».
(٥) في « ج ، بس ، بف » وحاشية « بح » : « في ».
(٦) في « ب » : « الخشوع ».
(٧) في « ض » : « القرب ».
(٨) في « بس ، بف » : « الغالب ».
(٩) الزخرف (٤٣) : ٨٦.