وَقَالَ عليهالسلام : « مَنْ لَمْ يَعْرِفْ أَمْرَنَا مِنَ الْقُرْآنِ ، لَمْ يَتَنَكَّبِ (١) الْفِتَنَ (٢) ». (٣)
وَلِهذِهِ الْعِلَّةِ انْبَثَقَتْ (٤) عَلى أَهْلِ دَهْرِنَا بُثُوقُ هذِهِ الْأَدْيَانِ الْفَاسِدَةِ ، وَالْمَذَاهِبِ المُسْتَشْنَعَةِ (٥) ، الَّتِي قَدِ اسْتَوْفَتْ شَرَائِطَ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ كُلَّهَا ، وَذلِكَ بِتَوفِيقِ اللهِ تَعالى وَخِذْلَانِهِ ، فَمَنْ أَرَادَ اللهُ تَوْفِيقَهُ وَأَنْ يَكُونَ إِيمَانُهُ ثَابِتاً مُسْتَقِرّاً ، سَبَّبَ لَهُ الْأَسْبَابَ الَّتِي تُؤَدِّيهِ إِلى أَنْ يَأَخُذَ دِينَهُ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ـ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيهِ وَآلِهِ ـ بِعِلْمٍ وَيَقِينٍ وَبَصِيرَةٍ ، فَذَاكَ أَثْبَتُ فِي دِينِهِ مِنَ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي. وَمَنْ أَرَادَ اللهُ خِذْلَانَهُ وَأَنْ يَكُونَ دِينُهُ مُعَاراً مُسْتَوْدَعاً (٦) ـ نَعُوذُ بِاللهِ مِنْهُ ـ سَبَّبَ لَهُ أَسْبَابَ الاسْتِحْسَانِ وَالتَّقْلِيدِ وَالتَّأْوِيلِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ ، فَذَاكَ فِي الْمَشِيئَةِ ، إِنْ شَاءَ اللهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ أَتَمَّ إِيمَانَهُ ، وَإِنْ شَاءَ ، سَلَبَهُ إِيَّاهُ ، وَلَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ أَنْ يُصْبِحَ مُؤْمِناً وَيُمْسِيَ كَافِراً ، أَو يُمْسِيَ مُؤْمِناً وَيُصْبِحَ كَافِراً ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا رَأى كَبِيراً مِن الْكُبَرَاءِ ، مَالَ مَعَهُ ، وَكُلَّمَا رَأى شَيْئاً اسْتَحْسَنَ ظَاهِرَهُ ، قَبِلَهُ ؛ وَقَدْ قَالَ الْعَالِمُ عليهالسلام : « إِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ خَلَقَ النَّبِيِّينَ عَلَى النَّبُوَّةِ ، فَلَا يَكُونُونَ إِلاَّ أَنْبِيَاءَ ، وَخَلَقَ الْأَوْصِيَاءَ عَلَى الْوَصِيَّةِ ، فَلَا يَكُونُونَ إِلاَّ أَوْصِيَاءَ (٧) ، وَأَعَارَ قَوْمَاً
__________________
(١) التنكّب عن الشيء هو المَيْل والعدول عنه ؛ يعني لا يقدر على العدول عنها ، ولا يأمن من الوقوع فيها. الصحاح ، ج ١ ، ص ٢٢٨ ، النهاية ، ج ٥ ، ص ١١٢ ( نكب ).
(٢) في حاشية « بح » : « لم يركب اليقين ».
(٣) المحاسن ، ص ٢١٦ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ١٠٤ ، وفيه : « من لم يعرف الحقّ من القرآن ... » ؛ تفسير العيّاشي ، ج ١ ، ص ١٣ ، ح ١ ، وفيهما عن أبي عبد الله عليهالسلام.
(٤) « انبثقت » أي هجمت ، يقال : انبثق الأمر على الناس ، أي هجم عليهم من غير أن يشعروا. راجع : لسان العرب ، ج ١٠ ، ص ١٣ ( بثق ). وفي « و » : « انْتَقَبَ » بمعنى غطّت وجهها وشدّت نقابها. وفي « ألف » : « انبعثت ». وفي حاشية « ألف » : « انسبقت » بمعنى طالت.
(٥) « المستشنع » : الفظيع القبيح. راجع : لسان العرب ، ج ٨ ، ص ١٨٦ ( شنع ). وفي « ألف » وحاشية « ج » : « المتشنّعة ». وفي حاشية « بر » : « المتشعّبة ».
(٦) في « بف » : « مستعاراً ».
(٧) في الكافي ، ح ٢٩٢٨ : « وخلق المؤمنين على الإيمان فلا يكونون إلاّمؤمنين » بدل « وخلق الأوصياء ». وقال