فَأَمَّا الْإِدْرَاكُ الَّذِي بِالْمُدَاخَلَةِ ، فَالْأَصْوَاتُ وَالْمَشَامُّ (١) وَالطُّعُومُ.
وَأَمَّا الْإِدْرَاكُ بِالْمُمَاسَّةِ ، فَمَعْرِفَةُ الْأَشْكَالِ مِنَ التَّرْبِيعِ وَالتَّثْلِيثِ (٢) ، وَمَعْرِفَةُ اللَّيِّنِ وَالْخَشِنِ ، وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ.
وَأَمَّا الْإِدْرَاكُ (٣) بِلَا مُمَاسَّةٍ وَلَا مُدَاخَلَةٍ ، فَالْبَصَرُ ؛ فَإِنَّهُ يُدْرِكُ الْأَشْيَاءَ بِلَا مُمَاسَّةٍ وَلَا مُدَاخَلَةٍ فِي حَيِّزِ غَيْرِهِ وَلَا فِي حَيِّزِهِ ، وَإِدْرَاكُ الْبَصَرِ لَهُ سَبِيلٌ وَسَبَبٌ ، فَسَبِيلُهُ الْهَوَاءُ ، وَسَبَبُهُ الضِّيَاءُ ، فَإِذَا كَانَ السَّبِيلُ مُتَّصِلاً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْئِيِّ وَالسَّبَبُ قَائِمٌ ، أَدْرَكَ مَا يُلَاقِي مِنَ الْأَلْوَانِ وَالْأَشْخَاصِ ، فَإِذَا حُمِلَ الْبَصَرُ عَلى مَا لَاسَبِيلَ لَهُ فِيهِ ، رَجَعَ رَاجِعاً ، فَحَكى مَا وَرَاءَهُ ، كَالنَّاظِرِ فِي الْمِرْآةِ لَايَنْفُذُ بَصَرُهُ (٤) فِي الْمِرْآةِ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ ، رَجَعَ رَاجِعاً يَحْكِي (٥) مَا وَرَاءَهُ ، وَكَذلِكَ النَّاظِرُ فِي الْمَاءِ الصَّافِي ، يَرْجِعُ رَاجِعاً فَيَحْكِي مَا وَرَاءَهُ ؛ إِذْ لَاسَبِيلَ لَهُ فِي إِنْفَاذِ بَصَرِهِ.
فَأَمَّا الْقَلْبُ (٦) فَإِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الْهَوَاءِ ، فَهُوَ يُدْرِكُ جَمِيعَ مَا فِي الْهَوَاءِ وَيَتَوَهَّمُهُ (٧) ، فَإِذَا حُمِلَ الْقَلْبُ عَلى مَا لَيْسَ فِي الْهَوَاءِ مَوْجُوداً ، رَجَعَ رَاجِعاً فَحَكى مَا فِي الْهَوَاءِ.
فَلَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَحْمِلَ قَلْبَهُ عَلى مَا لَيْسَ مَوْجُوداً فِي الْهَوَاءِ مِنْ أَمْرِ التَّوْحِيدِ جَلَّ اللهُ وَعَزَّ (٨) ؛ فَإِنَّهُ إِنْ فَعَلَ ذلِكَ ، لَمْ يَتَوَهَّمْ إِلاَّ مَا فِي الْهَوَاءِ مَوْجُودٌ ، كَمَا قُلْنَا فِي أَمْرِ الْبَصَرِ ، تَعَالَى اللهُ أَنْ يُشْبِهَهُ (٩) خَلْقُهُ (١٠).
__________________
(١) « المشامّ » : جمع المشموم ، من باب استعمال مفاعل في مفاعيل ، أو جمع المشمّ ، وهو ما يشمّ. انظر : التعليقة للداماد ، ص ٢٢٧ ؛ شرح المازندراني ، ج ٣ ، ص ٢٥٥.
(٢) في « ف ، بح » : « من التثليث والتربيع ».
(٣) في حاشية « بح » : + « الذي ».
(٤) في « بر » : « نظره ».
(٥) في « ب ، ض ، ف » : « فحكى ».
(٦) في « ف » : + « راجعاً ».
(٧) في « ض » : « ويتوهّمه ويتمثّله ». وفي « بح » وحاشية « ج » : « ويتمثّله ». وفي « بر » : « ويتمثّله ويتوهّمه ».
(٨) في « ف » : « لله جلّ وعزّ » بدل « جلّ الله وعزّ ».
(٩) في « ف ، بف » : « يشبه ».
(١٠) صرّح العلاّمة الفيض في الوافي بترك ذكر هذا الخبر لعدم وضوح مَن أراده. راجع : الوافي ، ج ١ ،