« قاربتَ الصباح » ، ويُعكَّر على هذا الجواب أنّ في رواية الربيع التي قدمناها : ولم يكن يؤذّن حتّى يقول له الناس حين ينظرون إلى بزوغ الفجر : أذِّن .
وأبلغ من ذلك أنّ لفظ رواية المصنّف ـ أي البخاري ـ التي في الصيام (حتّى يؤذّن ابن أُمّ مكتوم ، فإنّه لا يؤذّن حتّى يطلع الفجر) .
إنّما قلت (أبلغ) لكون جميعه من كلام النبي ، وأيضاً فقوله : إنّ بلالاً يؤذّن بليل ، يُشعِر أنّ [ أذان ] ابن أُمّ مكتوم بخلافه ، ولأنّه لو كان قبل الصبح لم يكن بينه وبين بلال فرق ؛ لصدق أنّ كلّا منهما أذّن قبل الوقت ، وهذا الموضع عندي في غاية الإشكال !
وأقرب ما يقال فيه : أنّ أذانه جُعل علامة لتحريم الأكل والشرب ، وكأنّه كان له مَن يرعى الوقت بحيث يكون أذانه مقارناً لابتداء طلوع الفجر ، وهو المراد بالبزوغ ، وعند أخذه في الأذان يعترض الفجر في الأفق .
ثمّ ظهر لي أنّه لا يلزم منه كون المراد بقولهم : أصبحتَ ، أي قاربت الصباحَ وقوعَ أذانه قبل الفجر ؛ لاحتمال أن يكون قولهم ذلك يقع في آخر جزء من الليل وأذانه يقع في أوّل جزء من طلوع الفجر ، وهذا ـ وإن كان مستبعداً في العادة ـ فليس بمستبعد من مؤذّن النبيّ المؤيَّد بالملائكة ، فلا يشاركه فيه مَن لم يكن بتلك الصفة (١) .
وقال الزرقاني في شرحه على الموطّأ :
وادّعى ابن عبد البرّ وجماعة من الأئمّة أنّه [ أي حديث بلال وابن أُم مكتوم ] مقلوب ، وأنّ الصواب حديث الباب .
______________________
(١) فتح الباري للعسقلاني ٢ : ٧٩ ، وانظر : الزرقاني أيضاً في شرحه على الموطّأ ١ : ١٥٥ .