وخرّج الدارقطني من رواية أولاد سعد القرظ ، عن آبائهم عن جدّهم سعد ، أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قال له : يا سعد ، إذا لم تَرَ بلالاً معي فأذّن . وفي إسناده ضعف (١) .
إذن ، فالمؤذّنان في المدينة وفي مسجد رسول الله هما اثنان : بلال وابن أُمّ مكتوم ، لا ثالث لهما ، إذ إنّ أبا محذورة كان يؤذّن بمكّة ، وسعد القرظ بقبا .
والآن ، وبعد هذه المقدّمة البسيطة عن المؤذّنين وأنّه كان يدور في المدينة بين بلال الحبشي وابن أُمّ مكتوم ولا ثالث لهما لا بدّ من كشف حقيقة ما قالوه في تعاقب هذين المؤذّنين وأيّهما كان يؤذّن بليل والآخر بصبح ، مع إقرارنا بلزوم تمييز كلّ نداء وإعلام عن الآخر .
فالمسألة واضحة ولا تحتاج إلى مزيد نقاش ، وإنّ العقل والدين يؤكّدان في لزوم كون البصير العادل بلال الحبشي مؤذّناً للصبح لا غير ، فهدفنا من نقل هذه النصوص إيقاف القارئ معنا على كيفية تفسيرهم وتأويلهم للأقوال ، أي إنّك تراهم يقفون على نقاط مهمّة ثمّ يتجاوزونها بتأويلات وتعاليل عليلة .
قال العسقلاني في « فتح الباري » عن ابن أُمّ مكتوم وأنّه كان يستعين ببعض الثقات لتعيين الوقت : (قوله : أصبحتَ أصبحت) ، أي دخلتَ في الصبح ، هذا ظاهره .
واستُشكِل : لأنّه جعل أذانه غاية للأكل ، فلو لم يؤذّن حتّى يدخل في الصبح للزم منه جواز الأكل بعد طلوع الفجر ، والإجماع على خلافه إلّا من شذَّ كالأعمش .
وأجاب ابن حبيب وابن عبد البرّ والأصيلي وجماعة من الشرّاح بأنّ المراد :
______________________
(١) فتح الباري لابن رجب ٣ : ٤٨٤ ـ ٤٨٥ .