وقال المزّي : ويقال إنّه لم يؤذّن بعد النبيّ إلّا مرّة واحدة في قُدمةٍ قَدِمها لزيارة النبي ... (١) .
نعم ، إنّهم اعتبروا ابنَ أُمّ مكتوم مؤذّنَ الفجر ، لكي يصحّحوا سرّ عدم اشتهار تأذين بلال بـ « الصلاة خير من النوم » !
فأبعدوا بلالاً عن مجريات الأحداث أو قل هو ابتعد ، فنفوا عنه أذانه في الصبح وحصروه في غيره من الأوقات الشرعيّة ، لأنّ أذان الصبح صار من حصّة الأعمى ، قالوا بذلك وهم يعلمون بكراهة أذان الأعمى وعدم إحراز الاطمئنان بكلامه إلّا عن طريق إخبار الثقة له .
فنحن نسايرهم ونقول لهم : إنّا لو قبلنا كلامكم هذا ، وأنّ بلالاً كان يؤذّن بليل ، فمعناه عدم شرعيّة « الصلاة خير من النوم » عنده ، لأنّ الأذان بالليل الذي نسمعه اليوم عند المسلمين ليس فيه تثويب ، بل التثويب هو في صلاة الصبح ، وهذا يؤكّد بأنّ هذه الإضافة لم تكن في الأذان الشرعي .
فإن قلتم إنّه كان في أذان بلال على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، لكنّه رُفع عن أذان الليل وأدخل في أذان الفجر .
قلنا : هل أُدخِل في عهد رسول الله أم بعده ؟
فلو كان في عهده فهل بعد منصرفه من حُنين كما جاء عن أبي محذورة ، أو في أخريات حياته ؟ فلو قيل بالأوّل فقد عرفت بأنّ الكثير من علماء أهل السنّة كمالك والشافعي وابن رشد و ... قد شكّوا في المرويّ عن أبي محذورة !
______________________
(١) تهذيب الكمال ٤ : ٢٨٩ ، وانظر : دفع الشبهة عن الرسول للحصني الشافعي : ١٨٢ .