وقد تكلّموا في هذا الموضع كثيراً ، وأكثره لا يجدي ، والذي ينبغي أن يقال : انّ الذين قالوا « ما شأنه أهَجَرَ أو هَجَرَ ! » بالهمزة وبدونها ، هم الذين كانوا قريبي العهد بالإسلام ، ولم يكونوا عالمين بأنّ هذا القول لا يليق أن يقال في حقّه ، لأنّهم ظنّوا أنّه مثل غيره من حيث الطبيعة البشرية ، إذا اشتدّ الوجع على واحد منهم تكلّم من غير تحرٍّ في كلامه ، ولهذا قالوا : استفهموه ، لأنّهم لم يفهموا مراده .
ومن أجل ذلك وقع بينهم التنازع حتّى أنكر عليهم النبيّ بقوله « ولا ينبغي عند نبي التنازع » ، وفي الرواية الماضية « ولا ينبغي عندي تنازع » ومن جملة تنازعهم ردّهم عليه وهو معنى قوله « فذهبوا يردّون عليه » (١) .
قال الغزالي : ولما مات رسول الله قال قبل وفاته بيسير : ائتوني بدواة وبياض لأكتب لكم كتاباً لا تختلفوا فيه بعدي . فقال عمر : دعوا الرجل فانّه ليهجر (٢) .
فنحن لو جمعنا هذه النصوص بعضها إلى بعض ، وعرفنا موت الزهراء وهي واجدة على أبي بكر وعمر (٣) في القضية المعروفة ، وكذلك هجوم عمر على باب بيتها وإسقاط جنينها وغير ذلك من المظالم التي جرت عليها ، لعرفنا سرّ ترك الظالمين لـ « برّ فاطمة » ، وترك الدعوة للولاية بـ « حيّ على خير العمل » .
وفي المقابل عرفنا أيضاً معنى ما يقوله الإمامان الباقر والصادق عليهماالسلام بأنّ « حيّ على خير العمل » هو برّ فاطمة وولدها .
______________________
(١) عمدة القاري ١٨ : ٦٢ .
(٢) سر العالمين : ١٨ .
(٣) أنظر : صحيح البخاري ٣ : ١١٢٦ ـ باب فرض الخمس / ح ٢٩٢٦ ، وفيه : فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت . و ٤ : ١٥٤٩ ، باب غزوة خيبر / ح ٣٩٩٨ ، شرح النهج ٦ : ٥٠ .