وبما أنّ مستندات هذه المسألة منقسمة وموجودة عند مجموعتين من المسلمين ، فلا بدّ من النظر فيهما معاً ، وعدم الاكتفاء بالنظر إلى أدلّة بعض دون أدلّة بعض آخر ، إذ أنّ النظرة الضيّقة وعدم الانفتاح على أدلة الآخرين يوصدان أبواب التفاهم وتلاقح الأفكار وتحرمنا في النهاية من الاستنتاج الموضوعي السليم .
مع العلم بأنّ أحد محوري النزاع يرتبط بالتراث الشيعي ـ بفرقه الثلاث : الإمامية والزيدية والإسماعيلية ـ فهؤلاء جميعاً يذهبون إلى أنّ جملة « حيّ على خير العمل » كانت في الأذان وقد أذّن بها الرسول والصحابة ولا يؤمنون بنسخها ، مفندين ما قدّمته مدرسة الخلفاء من أدلة ، معتقدين بأنّ عمر بن الخطاب هو الذي قطعها وحذفها معلِّلاً فعله بعلة ظاهرية ، وهو خوفه من اتّكال المسلمين عن الصلاة وتركهم للجهاد ، وهو تعليل باطل (١) .
لكن هناك علة مكنونة في هذا الأمر لم يَبُحْ بها عمر بن الخطاب في حين أنّ أئمة أهل البيت كشفوها لنا ، فقالوا بانّه كان لا يحبّ سماع الدعوة إلى الولاية في الأذان من خلال الحيعلة الثالثة ، أي أنّ الأئمّة كانوا يريدون أن يقولوا لنا بأنّ الحذف والرفع من قِبَل عمر كان لغرض سياسيّ عقائديّ مهمّ عنده ، ولم يكن بالشكل السطحي الذي يصوَّره الناس اليوم ، إذ لو اتّضح هدفه في الحيعلة الثالثة لاتّضح هدفه النهائي في « الصلاة خير من النوم » أيضاً .
وثاني محوري النزاع : يرتبط بتراث الجمهور ، حيث إنّهم سعوا إلى اعتبار جملة « الصلاة خير من النوم » سنة نبويّة ، وقد مرّ عليك في الفصل الثاني من هذه
______________________
(١) وضحنا ذلك في كتابنا « حيّ على خير العمل » فراجع .