لو لا حدثان قومك بالكفر لفعلت. ومن لفظ البخاري ومسلم عن الأسود بن يزيد عن عائشة قالت : سألت النبي صلىاللهعليهوآله عن الجدار من البيت هو؟ قال : نعم قلت : فما لهم لم يدخلوه في البيت قال : إن قومك قصرت بهم النفقة قلت فما شأن بابه مرتفعا؟ قال : فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا ولو لا أن قومك حديث عهدهم بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم إن أدخل الجدار في البيت وإن ألصق بابه بالأرض وفي صحيح البخاري عن جوير عن يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة أن النبي صلىاللهعليهوآله قال لها : يا عائشة لو لا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية لأمرت بالبيت فهدم فأدخلت فيه ما أخرج منه وألزقته بالأرض وجعلت له بابين بابا شرقيا وبابا غربيا فبلغت به أساس إبراهيم. ولا ريب أن ظاهر هذه الأخبار أن تعليق الإمضاء بحدثان عهد القوم وقربه من الكفر والجاهلية يستلزم خوفه صلىاللهعليهوآله من ارتدادهم وخروجهم عن الإسلام إن يعود بذلك ضرر إلى نفسه صلىاللهعليهوآله أو إلى غيره ويتطرق بذلك الوهن في الإسلام وهذا هو التقية وظاهر هذه الروايات أيضا أن إسلام القوم وإيمانهم لم يكن ثابتا مستقرا بل كان مستودعا.
وعن الرازي في تفسيره قال ما لفظه : التقية إنما تجوز فيما يتعلق بإظهار الموالاة والمعاداة وقد تجوز أيضا فيما يتعلق بإظهار الدين فأما ما يرجع ضرره إلى الغير كالقتل والزنا وغصب الأموال والشهادة بالزور وقذف المحصنات وإطلاع الكفار على عورات المسلمين فذلك غير جائز البتة قال مجاهد : هذا الحكم كان ثابتا قبل قوة دولة الإسلام لأجل ضعف المؤمنين فأما بعد قوة الإسلام فلا وروى يعني البخاري في باب الإكراه عن الحسن أن التقية جائزة إلى يوم القيامة فهذا القول أولى لأن دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان انتهى. وعن الفاضل السيوطي الشافعي أنه ذكر في تاريخ الخلفاء أنه كتب المأمون إلى نائبه في إشخاص سبعة أنفس وهم : محمد بن سعد كاتب الواقدي ويحيى بن معين وأبو خيثمة وأبو مسلم وأحمد بن أبي داود وإسماعيل بن أبي مسعود وأحمد بن إبراهيم الدورقي فأشخصوا إليه فامتحنهم بخلق القرآن فأجابوه فردهم من الرقة إلى بغداد وسبب طلبهم أنهم توقفوا ثم أجابوه تقية. وعن الزمخشري في الكشاف في تفسير قوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) أن أبا حنيفة كان يفتي سرا بوجوب نصرة زيد بن علي وحمل المال إليه والخروج معه على اللص المتقلب المتسمي بالإمام والخليفة كالدوانيقي وأشباهه حتى قالت له امرأة : أشرت إلى ابني بالخروج مع إبراهيم وقد قتل فقال لها : يا ليتني مكان ابنك. والمحكى عن الشافعي ومالك وابن