كيف بدأ الله خلق الأشياء والجمادات والإنسان ، بعد أن لم تكن ، وزوّد الإنسان بمفاتيح المعرفة والعلم ، من السمع والبصر والفؤاد. والذي بدأ إيجاد الخلق على هذا النحو قادر على إعادته ، وهو أسهل عليه ، وأيسر بحسب تصوراتنا ، أما بالنسبة لله تعالى فالبدء والإعادة سواء ، وقد خاطبنا الله بما نعقل ونتصور ، حين قال : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الرّوم : ٣٠ / ٢٧].
وعلى صعيد الواقع المشاهد ، سيروا أيها المنكرون للبعث في الأرض ، فانظروا كيف بدأ الله خلق السماوات وما فيها من الكواكب الثوابت النّيرات ، وكيف أوجد الأراضي وما فيها من الجبال الراسيات ، ثم الله يعيدكم أحياء مرة أخرى ، فإن من قدر على الخلق أول مرة ، قادر على الإعادة وإنشاء النشأة الأخرى يوم القيامة ، وإن الله قادر تامّ القدرة على كل شيء ، ومنه البدء والإعادة.
والذي يكون بعد البعث والإعادة ، إنما هو الحساب والجزاء ، فإن الله يعذب من يشاء من الكفار والعصاة ، ويرحم من يشاء ، من المؤمنين فضلا منه ورحمة ، يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، وإلى الله مصيركم ومردّكم يوم القيامة بعد الموت ، مهما طالت المدة ، فيحاسب كل إنسان على ما قدّم وأخّر ، وحسابه قائم على الحقّ والعدل والإنصاف ، لأنه المالك لكل شيء ، فيسوي بين مخلوقاته.
ولستم أنتم أيها الجاحدون الكافرون ، بمعجزي الله عن ملاحقتكم وتقديمكم للجزاء ، سواء في الأرض والسماء ، فإن الله لا يعجزه شيء ، ولا يقدر أحد على الإفلات من قبضته ، فقبضته السماوات والأرض وما بينهما ، وهو القاهر فوق عباده ، وليس لكم من غير الله ولي (نصير) يلي أموركم ويحفظكم ويرعاكم ، ولا معين وناصر ينصركم ، ويمنعكم من عذابه إن عذّبكم ، فهل بعدئذ تظنّون أنكم بكفركم وعبادتكم غير الله من الأصنام ناجون وسالمون من الجزاء؟!