عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ)(٥٤)
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ).
يقول : إن كان هذا القرآن من عند الله ثم كفرتم به ، وجائز أن يكون على الابتداء ليس بجواب لقوله : (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ) ويكون كأن لم يذكر جواب (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ) ؛ لما عرفوا أن من عاند وعادى ما كان من عند الله أنه ما يعمل بهم وما يصنع ؛ وهو كقوله تعالى : (أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ* فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) [الصافات : ٨٦ ، ٨٧] يذكر له جواب ؛ لما عرفوا أن من تريدون عبدوا دون الله بعد معرفتهم أنه إفك وأنه كذب وليس بإله ، أن الله ما ذا يفعل بهم ، فلم يذكر لهذا جواب ؛ لمعرفتهم بما يفعل بهم ؛ فعلى ذلك قوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ) يجوز أن لم يذكر له جواب ؛ لما عرفوا أنه ما يفعل بهم وما يستوجبون منه بما عاندوه وعادوه بعد معرفتهم أنه من عند الله جاء ثم كفروا به ، والله أعلم.
وإن كان موصولا فجوابه ما ذكر من قوله : (مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) ؛ فيكون كأنه يقول ـ والله أعلم ـ : أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به ، فإذا كفرتم ضللتم ، فمن أضل ممن هو في شقاق بعيد؟!
أي : في خلاف وبعد ؛ فيكون جوابه كأنه قال : لا أحد أضل ممن عرف أنه من عند الله ثم خالفه وتباعد عنه ، على ما ذكرنا في قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) [الأنعام : ٢١] أي : لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا ؛ فعلى ذلك الأول ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ).
اختلف فيه :
قال بعضهم (١) : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا) أي نريهم عذابنا الذي نزل بالأمم المتقدمة في بلاد عاد وثمود وقوم لوط ، كانوا يمرون عليها ويعرفون أنه لما ذا نزل بهم ذلك وتكذيبهم الرسل وعنادهم ، ونريهم عذابنا أيضا في أنفسهم ببدر حيث قتل فراعنتهم يومئذ ؛ (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) ؛ يقول : إن القرآن هو الحق من الله ؛ لأن فيه الإخبار عن العذاب للذين كذبوا محمدا صلىاللهعليهوسلم.
وقال بعضهم (٢) : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ) هو ظهور محمد صلىاللهعليهوسلم على البلاد والقرى
__________________
(١) قاله مجاهد بنحوه ، أخرجه عبد بن حميد وابن جرير كما في الدر المنثور (٥ / ٦٩١).
(٢) قاله المنهال ، أخرجه ابن جرير (٣٠٦٠٣).