النائية وفتحها عليه ، (وَفِي أَنْفُسِهِمْ) أي : فتح مكة وظهوره عليهم ، على ما وعد له ربه ـ جل وعلا ـ من النصر له وفتح البلاد والقرى.
فيكون هذان التأويلان آية لرسالته ونبوته ، والله أعلم.
ويحتمل قوله : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) آيات وحدانيته وألوهيته :
أما في الآفاق فما جعل منافع البلاد النائية والقرى المتباعدة متصلة بمنافع أنفسهم ومنافع البلاد القريبة ، ومنافع السماء متصلة بمنافع الأرض على بعد ما بينهما ؛ ليعلم أنه تدبير واحد وفعل فرد لا عدد ، أو أن يكون آياته في الآفاق رفع السماء مع غلظها وكثافتها وسعتها بلا سبب ولا تعليق من أعلاها ولا عماد من أسفلها.
وفي أنفسهم : ما حوّلهم وقلّبهم في الأرحام من حال النطفة إلى حال العلقة ، ومن حال العلقة إلى حال المضغة ، ثم من حال المضغة إلى حال الإنسان والتصوير والتركيب ، إلى آخر ما ينتهي إليه أمره ؛ ليعلم أنه صنع واحد وتدبير فرد لا تدبير لأحد سواه في ذلك.
فهذان التأويلان في آية الألوهية والوحدانية ، والأولان في إثبات الرسالة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).
كأنه يقول : أو لم يكف ربّك شاهدا أنه من عنده على ما تقول أنت ، أو يقول : أو لم يكف ربك ناصرا ومعينا ، أو يكون قوله : (أَوَلَمْ يَكْفِ) أي : أو لم يكفهم ما جاء من عند الله من البينات والقرآن ؛ كقوله : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ ...) الآية [العنكبوت : ٥١] ؛ فعلى ذلك يحتمل هذا. ويحتمل : أو لم يكفهم آية على رسالتك أو آية على وحدانية الله تعالى ما جاء من عند الله ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ).
ألا إن شكهم ومريتهم في البعث هو الذي حملهم على تكذيب ما جاء من عند الله وإنكاره ، والله أعلم بالصواب.
* * *