تنبيه : أوّل هذه السورة مناسب لآخر ما قبلها فإنه تعالى قال في آخر تلك (وَإِدْبارَ النُّجُومِ) وقال تعالى في أوّل هذه : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) قال الرازي : والفائدة في تقييد القسم به في وقت هويه أنه إذا كان في وسط السماء يكون بعيدا عن الأرض لا يهتدي به الساري لأنه لا يعلم به المشرق من المغرب ولا الجنوب من الشمال ، فإذا نزل عن وسط السماء تبين بنزوله جانب المغرب عن المشرق والجنوب عن الشمال.
وقوله تعالى : (ما ضَلَ) أي : عن طريق الهداية (صاحِبُكُمْ) محمد صلىاللهعليهوسلم وقتا من الأوقات ، جواب القسم وعبر بالصحبة لأنها مع كونها أدلّ على القصد مرغبة لهم فيه ومقبلة بهم إليه ومقبحة عليهم اتهامه في إنذاره وهم يعرفون طهارة شمائله (وَما غَوى) أي : وما مال أدنى ميل ولا كان مقصده مما يسوء فإنه محروس من أسباب غواية الشياطين وغيرها.
تنبيه : الغي جهل عن اعتقاد فاسد بخلاف الضلال ، وذهب أكثر المفسرين إلى أن الغي والضلال بمعنى واحد وفرق بعضهم بينهما فقال : الضلال في مقابلة الهدى ، والغي في مقابلة الرشد قال تعالى : (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) [البقرة : ٢٥٦] وقال تعالى (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) [الأعراف : ١٤٦] قال الرازي : وتحقيق القول فيه أنّ الضلال أعم استعمالا في الوضع تقول : ضل بعيري ورحلي ولا تقول غيّ.
فائدة : قد دافع الله سبحانه عن نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم وأمّا باقي الأنبياء فدافعوا عن أنفسهم (لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ) ونحو ذلك قاله القشيري فإن قيل : كيف الجمع بين قوله تعالى : (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ) وبين قوله تعالى : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) [الضحى : ٧] أجيب : بأنّ المراد من الآية الآتية وجدك ضالا عما أنت عليه الآن من الشريعة فهداك إليها بخلاف هذه الآية.
(وَما يَنْطِقُ) أي : يجاوز نطقه فمه في وقت من الأوقات لا في هذا الحال ولا في الاستقبال نطقا ناشئا (عَنِ الْهَوى) أي : عن أمره كالكهان الذين يغلب كذبهم صدقهم ، والشعراء وغيرهم وما يقول هذا القرآن من عند نفسه.
(إِنْ) أي : ما (هُوَ) أي : الذي يتكلم به من القرآن وكلّ أقواله وأفعاله وأحواله (إِلَّا وَحْيٌ) أي : من الله تعالى وأكده بقوله تعالى : (يُوحى) أي : يجدد إليه إيحاؤه منا وقتا بعد وقت.
تنبيه : استدل بهذه الآية من لا يرى الاجتهاد للأنبياء ، وأجيب : بأنّ الله تعالى إذا سوغ لهم الاجتهاد كان الاجتهاد وما يستند إليه كله وحيا لا نطقا عن الهوى.
(عَلَّمَهُ) أي : صاحبكم الوحي الذي أتاكم به ملك (شَدِيدُ الْقُوى) فلا تعجبوا من هذه البحار الزاخرة فإنّ معلمه بهذه الصفة التي هو بها بحيث ينفذ كلّ ما أمره الله تعالى به وهو جبريل عليهالسلام ، فإنه الواسطة في إبداء الخوارق. روي أنه قلع قرى قوم لوط ورفعها إلى السماء ثم قلبها وصاح صيحة بثمود فأصبحوا جاثمين ، وكان هبوطه على الأنبياء وصعوده في أوحى من رجعة الطرف ، ورأى إبليس يكلم عيسى على بعض عقاب الأرض المقدسة فنفحه نفحة بجناحه فألقاه في أقصى بلاد الهند.
(ذُو مِرَّةٍ) قال ابن عباس : ذو منظر حسن وقال أكثر المفسرين : ذو قوة وقدرة عظيمة على الذهاب فيما أمر به ، والطاقة لحمله بغاية النشاط والحدة كأنه ذو مزاج غلبت عليه الحدة فهو صعب المراس في مزاولته ماض على طريقة واحدة على غاية من الشدّة لا توصف لا التفات له