الثاني : أن الضمير عائد إلى الله تعالى أي رأى الله نزلة أخرى ، وهذا قول من قال في قوله تعالى : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) هو الله تعالى وقد قيل : إنّ النبي صلىاللهعليهوسلم رأى ربه بقلبه مرتين وعلى هذا ففي النزول وجهان : أحدهما : قول من يجوز على الله الحركة من غير تشبيه. وثانيهما : أنّ نزوله بمعنى القرب بالرحمة والفضل ، الثالث : أن محمدا رأى الله تعالى نزلة أخرى والمراد من النزلة : ضدّها وهي العرجة كأنه قال : رآه عرجة أخرى قال ابن عباس : نزلة أخرى هو أنه كان للنبيّ صلىاللهعليهوسلم عرجات في تلك الليلة لمسألة التخفيف في الصلوات فيكون لكلّ عرجة نزلة فرأى ربه في بعضها.
وروي عن ابن عباس أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم رأى ربه بفؤاده مرتين وعنه أنه رأى ربه بعينه وعلى أنّ المرئي هو الله تعالى فيكون قوله تعالى : (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) ظرفا للرائي كما إذا قال القائل رأيت الهلال فيقال له : أين رأيته فيقول : على السطح ، وقد يقول : عند الشجرة الفلانية ، وأمّا قول من قال : بأنّ الله تعالى في مكان فذلك باطل ، وإن قيل : بأنّ المرئي جبريل عليهالسلام فظاهر.
تنبيه : إضافة السدرة إلى المنتهى تحتمل وجوها :
أحدها : إضافة الشيء إلى مكانه كقولك أشجار بلدة كذا ، فالمنتهى حينئذ موضع لا يتعدّاه ملك ، قال هلال بن كيسان : سأل ابن عباس كعبا عن سدرة المنتهى وأنا حاضر فقال كعب : إنها سدرة في أصل العرش على رؤوس حملة العرش وإليها ينتهي علم الخلائق ، وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله تعالى ، وقيل : ينتهي إليها ما هبط من فوقها ويصعد من تحتها ، وقال كعب : تنتهي إليها الملائكة والأنبياء ، وقال الربيع : تنتهي إليها أرواح المؤمنين.
وثانيها : إضافة الملك إلى مالكه كقولك : دار زيد وشجر زيد وحينئذ المنتهى فيه محذوف تقديره سدرة المنتهى إليه قال الله تعالى : (إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) [النجم : ٤٢] فالمنتهى إليه هو الله تعالى وإضافة السدرة إليه حينئذ كإضافة البيت إليه للتشريف والتعظيم ، كما يقال في التسبيح يا غاية رغبتاه ويا منتهى أملاه.
وثالثها : إضافة المحل إلى الحال فيه كقولك كتاب الفقه وعلى هذا فالتقدير سدرة عندها منتهى العلوم فتتلقى هناك.
قال البقاعي : وذلك والله أعلم ليلة الإسراء في السنة الثالثة عشرة من النبوّة قبل الهجرة بقليل بعد أن ترقى في معارج الكمالات من السنين على عدد السموات وما بينها من المسافات فانتهى إلى منتهى سمع فيه صرير الأقلام.
وعظمها بقوله تعالى : (عِنْدَها) أي : السدرة (جَنَّةُ الْمَأْوى) أي : التي لا مأوى في الحقيقة غيرها وهي الجنة التي وعدها المتقون كقوله تعالى : (دارَ الْمُقامَةِ) [فاطر : ٣٥] وقيل هي جنة أخرى عندها تكون أرواح الشهداء تأوي إليها وقيل هي جنة الملائكة.
وقوله تعالى : (إِذْ) معمول لرأى أي : رأى من آيات ربه الكبرى حين (يَغْشَى السِّدْرَةَ) وهي شجرة النبق وقوله تعالى : (ما يَغْشى) تعظيم وتكثير لما يغشاها واختلفوا فيما يغشاها فقيل : فراش أو جراد من ذهب وهو قول ابن عباس وابن مسعود والضحاك قال الرازي : وهذا ضعيف لأنّ ذلك لا يثبت إلا بدليل سمعي ، فإن صح فيه خبر وإلا فلا وجه له ا. ه. قال القرطبي ورواه ابن مسعود وابن عباس مرفوعا إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم وقال أيضا عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم إنه قال «رأيت السدرة يغشاها فراش من»