فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها داعية بويلها واضعة يدها على رأسها ويقال إنّ خالدا رجع إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : قد قلعتها فقال ما رأيت قال ما رأيت شيئا فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم ما فعلت فعاودها ومعه المعول فقلعها واجتث أصلها فخرجت منها امرأة عريانة فقتلها ثم رجع إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبره فقال : تلك العزى ولن تعبد أبدا (١).
وقال الضحاك : هي صنم لغطفان وضعها لهم سعيد بن ظالم الغطفاني ، وذلك أنه لما قدم مكة فرأى الصفا والمروة ورأى أهل مكة يطوفون بهما فعاد إلى نخلة وقال لقومه : إن لأهل مكة الصفا والمروة وليستا لكم ولهم إله يعبدونه وليس لكم قالوا : فما تأمرنا به ، قال : أنا أصنع لكم كذلك وأخذ حجرا من الصفا وحجرا من المروة ونقلهما إلى نخلة فوضع الذي أخذه من الصفا وقال : هذا الصفا ووضع الذي أخذه من المروة ، وقال هذه المروة : ثم أخذ ثلاثة أحجار فاسندها إلى شجرة فقال : هذا ربكم ، فجعلوا يطوفون بين الحجرين ويعبدون الحجارة حتى افتتح رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكة فأمر برفع الحجارة وبعث خالد ابن الوليد إلى العزى فقطعها وقال ابن زيد : هي بيت بالطائف كان تعبده ثقيف.
وأما قوله تعالى (وَمَناةَ) فقال قتادة : هي صخرة كانت لخزاعة بقديد ، وقالت عائشة في الأنصار كانوا يصلون لمناة فكانت حذو قديد. وقال ابن زيد بيت بالمشلل تعبده بنو كعب وقال الضحاك : مناة صنم لهذيل وخزاعة يعبده أهل مكة وقيل اللات والعزى ومناة أصنام من حجارة كانت في جوف الكعبة يعبدونها.
وقوله تعالى : (الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) نعت لمناة إذ هي الثالثة للصنمين في الذكر ، وأما الأخرى فقال أبو البقاء : توكيد لأنّ الثالثة لا تكون إلا أخرى ، وقال الزمخشري : الأخرى ذم وهي المتأخرة الوضيعة المقدار كقوله تعالى : (قالَتْ أُخْراهُمْ) [الأعراف : ٣٨] أي : وضعاؤهم (لِأُولاهُمْ) أي : لأشرافهم ، ويجوز أن تكون الأولية والتقدّم عندهم للات والعزى ا. ه. قال ابن عادل : وفيه نظر لأنّ الأخرى إنما تدل على الغيرية وليس فيها تعرّض لمدح ولا ذم فإن جاء شيء فلقرينة خارجية ا. ه. ووجه الترتيب أنّ اللات كان وثنا على صورة آدمي ، والعزى شجرة نبات ، ومناة صخرة فهي جماد فهي في أخريات المراتب.
فإن قيل : ما فائدة الفاء في قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ) وقد وردت في مواضع بغير فاء كقوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) [الأحقاف : ٤](أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ) [فاطر : ٤٠] أجيب : بأنه تعالى لما قدم عظمته في ملكوته وأنّ رسوله إلى الرسل يسد الآفاق ببعض أجنحته ويهلك المدائن بشدّته وقوّته ولا يمكنه مع هذا أن يتعدّى السدرة في مقام جلال الله وعزته قال : أفرأيتم هذه الأصنام مع ذلتها وحقارتها شركاء الله تعالى مع ما تقدّم ، فقال بالفاء أي عقب ما سمعتم من عظمة آيات الله الكبرى ونفاذ علمه في الملأ الأعلى وما تحت الثرى انظروا إلى اللات والعزى تعلموا فساد ما ذهبتم إليه.
تنبيه : مفعول أرأيت الأول اللات وما عطف عليه والثاني : محذوف والمعنى أخبروني ألهذه
__________________
(١) روي الحديث بلفظ : «تلك العزى التي أمست أن تعبد ببلادكم» أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ٦ / ١٧٦ ، والسيوطي في الدر المنثور ٦ / ٢٦ ، وابن كثير في تفسيره ٧ / ٤٣٢ ، والقرطبي في تفسيره ١٧ / ١٠٠.