أي باعتبار أصناف أنواعها وما عدا المحدود من المعاصي فمن الصغائر ولا بأس بذكر شيء من النوعين.
فمن الأوّل تقديم الصلاة أو تأخيرها عن وقتها بلا عذر ومنع الزكاة وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدرة ونسيان القرآن واليأس من رحمة الله تعالى ، وأمن مكر الله تعالى ، وقتل النفس عمدا أو شبه عمد ، والفرار من الزحف وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والإفطار في رمضان من غير عذر ، وعقوق الوالدين والزنا واللواط وشهادة الزور ، وشرب الخمر وإن قل ، والسرقة والغصب وقيده جماعة بما يبلغ ربع مثقال كما يقطع به في السرقة ، وكتمان الشهادة بلا عذر ، وضرب المسلم بغير حق ، وقطع الرحم والكذب على رسول الله صلىاللهعليهوسلم عمدا ، وسب الصحابة ، وأخذ الرشوة ، والسحر والنميمة ، وأما الغيبة فإن كانت في أهل العلم وحملة القرآن فهي كبيرة وإلا فصغيرة.
ومن الصغائر النظر المحرم وكذب لا حد فيه ولا ضرر ، والإشراف على سوآت الناس ، وهجر المسلم فوق ثلاث والضحك في الصلاة المفروضة ، والنياحة وشق الجيب في المصيبة والتبختر في المشي والجلوس بين الفساق إيناسا لهم ، وإدخال مجانين وصبيان ونجاسة يغلب تنجيسهم المسجد ، واستعمال نجاسة في بدن أو ثوب لغير حاجة ، والإصرار على صغيرة من نوع أو أنواع يصيرها كبيرة إلا أن تغلب طاعاته معاصيه كما أوضحت ذلك في شرح المنهاج وغيره.
(إِنَّ رَبَّكَ) أي : المحسن إليك بإرسالك رحمة للعالمين والتخفيف عن أمتك (واسِعُ الْمَغْفِرَةِ) يغفر الصغائر باجتناب الكبائر ، ويغفر الكبائر بالتوبة وله أن يغفر ما شاء من الذنوب ما عدا الشرك صغيرها وكبيرها كما قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨] بخلاف غيره من الملوك فإنه لا يغفر لمن تكرّرت ذنوبه إليهم وإن صغرت قال البيضاويّ : ولعله عقب به وعيد المسيئين لئلا ييأس صاحب الكبيرة من رحمته ولا يتوهم وجوب العقاب على الله تعالى ا. ه. ونزل فيمن كان يقول صلاتنا صيامنا حجنا (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ) أي : بذواتكم وأحوالكم منكم بأنفسكم (إِذْ) أي : حين (أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) أي : التي طبعها طبع الموت البرد واليبس بإنشاء أبيكم آدم عليهالسلام منها ، وتهيئتكم للتكوين بعد أن لم يكن فيكم وأنتم تراب قابلية للحياة بقوة قريبة ولا بعيدة أصلا فميز التراب الذي يصلح لتكوينكم منه والذي لا يصلح (وَإِذْ) أي : وحين (أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ) أي : مستورون (فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) فهو يعلم إذ ذاك ما أنتم صائرون إليه من خير وشرّ وإن عملتم مدة من العمر بخلافه ، لأنه يعلم ما جبلكم عليه من ذلك.
وقرأ حمزة والكسائيّ في الوصل بكسر الهمزة والباقون بضمها ، وكسر حمزة الميم وفتحها الباقون ، وأما في الابتداء بالهمزة فالجميع بضمها.
(فَلا تُزَكُّوا) أي : تمدحوا بالزكاة وهي البركة والطهارة عن الدناءة (أَنْفُسَكُمْ) أي : حقيقة بأن يثني الإنسان على نفسه فإنّ تزكيته لنفسه قال القشيري : من علامات كونه محجوبا عن الله تعالى أي : من مدح نفسه على سبيل الإعجاب ، أما على سبيل الاعتراف بالنعمة فحسن ، أو مجازا بأن يثني على غيره من إخوانه وأنه كثيرا ما يثني بشيء فيظهر خلافه وربما حصل له الأذى بسببه «وإنّ»