وَالْمُؤْمِناتِ) فيه إكرام من الله تعالى لهذه الأمّة ؛ حيث أمر نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يستغفر لذنوبهم (وَاللهُ) المحيط بجميع صفات الكمال (يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ) أي : تصرّفكم لأشغالكم بالنهار ، ومكانه وزمانه (وَمَثْواكُمْ) أي : مأواكم إلى مضاجعكم بالليل أي : هو عالم بجميع أحوالكم ، لا يخفى عليه شيء منها فاحذروه ، والخطاب للمؤمنين وغيرهم ، وقيل : يعلم متقلبكم في أعمالكم ، ومثواكم في الجنة والنار ، ومثله حقيق بأن يخشى ويتقى وأن يستغفر ويسترحم ، وعن سفيان بن عيينة أنه سئل عن فضل العلم فقال : ألم تسمع قوله تعالى حين بدأ به (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) فأمر بالعمل بعد العلم وقال : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) [الحديد : ٢٠] الآية.
(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا) طلبا للجهاد. (لَوْ لا) أي : هلا ، ولا التفات إلى قول بعضهم أن لا زائدة والأصل لو (نُزِّلَتْ سُورَةٌ) أي سورة كانت ، نسرّ بسماعها ، ونتعبد بتلاوتها ، ونعمل بما فيها (فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) أي : قطعة من القرآن ، تكامل نزولها كلها تدريجا ، أو جملة وزادت على مطلوبهم في الحسن بأنها (مُحْكَمَةٌ) أي : مبينة ، لا يلتبس شيء منها بنوع إجمال ، ولا بنسخ لكونه جامعا للمحاسن في كل زمان ومكان وقال قتادة : كل سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة. وهي أشدّ القرآن على المنافقين (وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ) أي : الأمر به (رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي : شك وهم المنافقون. (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) شزرا بتحديق شديد ، كراهية منهم للجهاد ، وجبنا منهم عن لقاء العدوّ (نَظَرَ الْمَغْشِيِ) والأصل نظرا مثل نظر المغشي (عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) الذي هو : نهاية الغشي فهو لا يطرف بعينه ، بل شاخص لا يطرف كراهية القتال ؛ من الجبن والخوف. والمعنى : أنّ المؤمن كان ينتظر نزول الأحكام والتكاليف ويطلب تنزيلها ، وإذا تأخر عنه التكليف كان يقول هلا أمرت بشيء من العبادة خوفا من أن لا يؤهل لها ، وأمّا المنافق ، فإذا أنزلت السورة أو الآية وفيها تكليف شق عليه ذلك فحصل التباين بين الفريقين في العلم والعمل وقوله تعالى (فَأَوْلى لَهُمْ) وعيد بمعنى فويل لهم وهو أفعل من الولي وهو القرب ومعناه الدعاء عليه بأن يليهم المكروه.
وقوله تعالى : (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) مستأنف ، أي : طاعة ومعروف خير لهم وأمثل ، أي : لو أطاعوا وقالوا قولا معروفا لكان أمثل وأحسن ، وساغ الابتداء بالنكرة لأنها وصفت بدليل قوله تعالى : (وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) فإنه موصوف فكأنه تعالى قال : طاعة مخلصة وقول معروف خير ، وقيل : يقول المنافقون قبل نزول السورة المحكمة طاعة رفع على الحكاية ، أي : أمرنا طاعة أو منا طاعة وقول معروف حسن ، وقيل : متصل بما قبله واللام في قوله تعالى (لَهُمْ) بمعنى الباء أي فأولى بهم طاعة الله ورسوله ، وقول معروف بالإجابة أولى بهم ، وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء. ثم سبب عنهما قوله تعالى مسندا إلى الأمر ما هو لأهله تأكيدا لمضمون الكلام : (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ ،) أي : فإذا أمر بالقتال الذي ذكر في أوّل السورة وغيره من الأوامر أمرا مجزوما به مقروحا عليه (فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ) أي : الملك الأعظم في قولهم الذي قالوه في طلب التنزيل (لَكانَ) أي : صدقهم له (خَيْراً لَهُمْ) أي : من تعللهم ، وجملة لو جواب إذا ، نحو : إذا جاءني طعام فلو جئتني لأطعمتك ، وقيل : محذوف ، تقديره : فاصدق كذا قدّره أبو البقاء وعزم الأمر على سبيل المجاز ، كقوله : قد جدّت الحرب فجدوا ، أو يكون على حذف مضاف أي عزم أهل الأمر.
وقوله تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ) فيه التفات عن الغيبة ، أي : لعلكم (إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) أي : أعرضتم عن الإيمان والجهاد (أَنْ تُفْسِدُوا) أي : توقعوا الإفساد العظيم الذي يستمر تجدّده (فِي الْأَرْضِ)