سعيه بموادته ولو بموافقته لهم في الدين فقط ، وكذا الحج عنه والصدقة ونحوها ، وأما الولد فواضح في ذلك ، وأما ما كان بسبب العلم والصدقة ونحوها فكذلك ، وتضحية النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن أمته أصل كبير في ذلك فإنّ من تبعه فقد واده وهو أصل في التصدق عن الغير وإهداء ما له من الثواب في القراءة ونحوها إليه.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : هذا منسوخ الحكم في هذه الشريعة أي : وإنما هو في صحف موسى وإبراهيم عليهماالسلام بقوله : (أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) [الطور : ٢١] فأدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء وقال عكرمة إنّ ذلك لقوم موسى وإبراهيم عليهماالسلام ، وأما هذه الأمة فلهم ما سعوا وما سعى لهم غيرهم لما يروى أن امرأة رفعت صبيا لها فقالت يا رسول الله ألهذا حج؟ فقال : نعم ولك أجر (١) «وقال رجل للنبي صلىاللهعليهوسلم إنّ أمي افتلتت نفسها فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال نعم» (٢).
قال الشيخ تقيّ الدين أبو العباس أحمد بن تيمية : من اعتقد أنّ الإنسان لا ينتفع إلا بعمله فقد خرق الإجماع وذلك باطل من وجوه كثيرة : أحدها : أنّ الإنسان ينتفع بدعاء غيره وهو انتفاع بعمل الغير. ثانيها : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم يشفع لأهل الموقف في الحساب ، ثم لأهل الجنة في دخولها ثم لأهل الكبائر في الخروج من النار وهذا انتفاع بعمل الغير. ثالثها : أن كل نبي وصالح له شفاعة وذلك انتفاع بعمل الغير. رابعها : أنّ الملائكة يدعون ويستغفرون لمن في الأرض وذلك منفعة بعمل الغير. خامسها : أنّ الله تعالى يخرج من النار من لم يعمل خيرا قط بمحض رحمته وهذا انتفاع بغير عملهم. سادسها : أنّ أولاد المؤمنين يدخلون الجنة بعمل آبائهم وذلك انتفاع بمحض عمل الغير. سابعها : قال تعالى في قصة الغلامين اليتيمين (وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً) [الكهف : ٨٢] فانتفعا بصلاح أبيهما وليس هو من سعيهما. ثامنها : أنّ الميت ينتفع بالصدقة عنه والعتق بنص السنة والإجماع وهو من عمل الغير. تاسعها : أنّ الحج المفروض يسقط عن الميت بحج وليه بنص السنة وهو انتفاع بعمل الغير. عاشرها : أنّ الحج المنذور أو الصوم المنذور يسقط عن الميت بعمل غيره بنص السنة وهو انتفاع بعمل الغير. حادي عشرها : أن المدين الذي امتنع صلىاللهعليهوسلم من الصلاة عليه حتى قضى دينه أبو قتادة ، وقضى دين الآخر علي بن أبي طالب وانتفع بصلاة النبيّ صلىاللهعليهوسلم وبردت جلدته بقضاء دينه وهو من عمل الغير. ثاني عشرها : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال لمن صلى وحده «ألا رجل يتصدّق على هذا فيصلى معه» (٣) فقد حصل له فضل الجماعة بفعل الغير. ثالث عشرها : أنّ الإنسان تبرأ ذمته من ديون الخلق إذا قضاها قاض عنه وذلك انتفاع بعمل الغير. رابع عشرها : أن من عليه تبعات ومظالم إذا حلل منها سقطت عنه وهذا انتفاع بعمل الغير. خامس عشرها : أنّ الجار الصالح
__________________
(١) أخرجه مسلم في الحج حديث ٤٠٩ ، ٤١٠ ، ٤١١ ، وأبو داود في المناسك باب ٨ ، والترمذي في الحج باب ٨٣ ، والنسائي في الحج باب ١٥ ، وابن ماجه في المناسك باب ١١ ، ومالك في الحج حديث ٢٤٤ ، وأحمد في المسند ١ / ٢١٩ ، ٢٤٤ ، ٢٨٨ ، ٣٤٢ ، ٥١٧.
(٢) أخرجه البخاري في الجنائز حديث ١٣٨٨ ، ومسلم في الزكاة حديث ١٠٠٤ ، والترمذي في الزكاة حديث ٦٦٩ ، وابن ماجه في الوصايا حديث ٢٧١٧.
(٣) أخرجه أبو داود في الصلاة باب ٥٥ ، والدارمي في الصلاة باب ٩٨ ، وأحمد في المسند ٣ / ٦٤ ، ٨٥ ، ٥ / ٢٥٤ ، ٢٦٩.