بما أصنع رضا الله تعالى وأرجو عفوه فقال عبد الله : أعطني ناقتك برحلها وأنا أتحمل عنك ذنوبك فأعطاه وأشهد عليه وأمسك عن العطاء فنزلت.
وقوله تعالى : (أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ) أي : ما غاب هو المفعول الثاني لرأيت بمعنى أخبرني ، والمفعول الأوّل محذوف اقتصارا لأعطى (فَهُوَ) أي : فتسبب عن ذلك أنه (يَرى) أي : يعلم أنّ صاحبه يتحمل عنه ذنوبه.
(أَمْ) أي : بل (لَمْ يُنَبَّأْ) أي : يخبر أخبارا عظيما متتابعا (بِما فِي صُحُفِ مُوسى) أي : التوراة المنسوبة إليه بإنزالها عليه ، وكذا ما تبعها من أسفار الأنبياء الذين جاؤوا بعده بتقريرها.
وقدم صحف موسى عليهالسلام على قوله : (وَإِبْراهِيمَ) أي : وصحفه لأنّ كتاب موسى عليهالسلام أعظم كتاب بعد القرآن مع أنه موجود بين الناس تمكن مراجعته ، ثم مدح إبراهيم عليهالسلام بقوله تعالى : (الَّذِي وَفَّى) أي : أتم ما أمر به من ذلك تبليغ الرسالة واستقلاله بأعباء النبوة وقيامه بأضيافه وخدمتهم إياه بنفسه ، وإنه كان يخرج كل يوم فيمشي فرسخا يرتاد ضيفا فإن وافقه أكرمه وإلا نوى الصوم وعن الحسن : ما أمر الله تعالى بشيء إلا وفى به وصبر على ما امتحن به ، وما قلق شيئا من قلق وصبر على حر ذبح الولد وعلى حر النار ولم يستعن بمخلوق بل قال لجبريل عليهالسلام لما قال له : ألك حاجة قال : أما إليك فلا وقال الضحاك : وفي المناسك ، وروي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال «إبراهيم الذي وفى أربع ركعات من أول النهار» (١) وهي صلاة الضحى وروي «ألا أخبركم لم سمى الله خليله الذي وفى كان يقول إذا أصبح وأمسى : فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون إلى تظهرون» (٢) وقيل : وفى سهام الإسلام وهي ثلاثون عشرة في التوبة (التَّائِبُونَ ...) [التوبة : ١١٢] ، وعشرة في الأحزاب (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ ...) [الأحزاب : ٣٥] ، وعشرة في المؤمنون ، (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) [المؤمنون : ١] وخص هذين النبيين لأنّ الموعودين من بني إسرائيل اليهود والنصارى يدعون متابعة موسى عليهالسلام ، ومن العرب يدعون متابعة إبراهيم عليهالسلام ومن عداهم لا متمسك لهم ولا سلف في نبوّة محققة ولا شريعة محفوظة ، وقرأ هشام بفتح الهاء وألف بعدها والباقون بكسر الهاء وياء بعدها.
ثم فسر تعالى الذي في الصحف واستأنف بقوله تعالى : (أَلَّا تَزِرُ) أي : تأثم وتحمل (وازِرَةٌ) أي : نفس بلغت مبلغا تكون فيه حاملة لوزر (وِزْرَ أُخْرى) أي : حملها الثقيل من الإثم ، وفي هذا إبطال قول من ضمن للوليد بن المغيرة أن يحمل عنه الإثم ، وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كانوا قبل إبراهيم عليهالسلام يأخذون الرجل بذنب غيره ، وكان الرجل يقتل بقتل أبيه وابنه وأخيه وعمه وخاله وامرأته والعبد بسيده ، حتى جاءهم إبراهيم عليهالسلام فنهاهم عن ذلك وبلغهم عن الله عزوجل (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى.)
ولما نفى أن يضرّه إثم غيره نفي أن ينفعه سعي غيره بقوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ) كائنا من كان (إِلَّا ما سَعى) فلا بد أن يعلم الحق في أي جهة فيسعى فيه ودعاء المؤمنين للمؤمن من
__________________
(١) أخرجه البغوي في تفسيره ٦ / ٢٦٨ ، والقرطبي في تفسيره ١٧ / ١١٣.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٣ / ٤٣٩ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ١٠ / ١١٧ ، والطبري في تفسيره ٢٧ / ٤٣ ، والقرطبي في تفسيره ١٧ / ١١٣.