عليه شيء فهم كذبوا واتبعوا أهواءهم والأنبياء صدقوا وبلغوا كقوله تعالى : (لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) [غافر : ١٦].
(وَلَقَدْ جاءَهُمْ) أي أهل مكة في القرآن قبل الانشقاق (مِنَ الْأَنْباءِ) أي : أخبار إهلاك الأمم الماضية المكذبة رسلهم لأنّ الأنباء الأخبار العظام التي لها وقع كقول الهدهد (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) [النمل : ٢٢] لأنه كان خبرا عظيما له وقع وخطر وقال تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ) [الحجرات : ٦] أي بأمر عظيم له خطر وإنما يجب التثبت فيما يتعلق به حكم ويترتب عليه أمر ذو بال (ما فِيهِ) خاصة (مُزْدَجَرٌ) أي : عمّاهم فيه من الباطل ، ولكن لم يزدجر منهم إلا من أراد الله تعالى.
تنبيه : المزدجر اسم مصدر أي ازدجار أو اسم مكان أي موضع ازدجار والدال بدل من تاء الافتعال وازدجرته وزجرته نهيته بغلظة وما موصولة أو موصوفة.
وقوله تعالى : (حِكْمَةٌ) خبر مبتدأ محذوف أو بدل من ما أومن مزدجر (بالِغَةٌ) أي : لها أعظم البلوغ إلى أنهى غايات الحكمة لصحتها ووضوحها ففيها مع الزجر ترجئة ومواعظ وأحكام ودقائق (فَما تُغْنِ) أي : تنفع (النُّذُرُ) أي : الإنذارات والمنذرون والأمور المنذر بها ومنها إنما المغني بذلك هو الله تعالى فما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن.
قال البقاعي : ولعل الإشارة بإسقاط ياء تغني بإجماع المصاحف من غير موجب في اللفظ إلى أنه كما سقطت غاية أحرف الكلمة سقطت ثمرة الإنذار وهو القبول.
تنبيه : يجوز في ما أن تكون استفهامية وتكون في محل نصب مفعولا مقدّما أي أي شيء تغني النذر وأن تكون نافية أي لم تغن النذر شيئا والنذر جمع نذير والمراد به المصدر أو اسم الفاعل.
ولما كان صلىاللهعليهوسلم شديد التعلق بطلب نجاتهم فهو لذلك ربما اشتهى إجابتهم إلى مقترحاتهم تسبب عن ذلك قوله تعالى : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أي : كلف نفسك الإعراض عن تمني ذلك فما عليك إلا البلاغ وأمّا الهداية فإلى الله تعالى وحده.
تنبيه : قال أكثر المفسرين نسختها آية السيف وقال الرازي إنّ قول المفسرين في قوله تعالى : (فَتَوَلَ) منسوخ ليس كذلك بل المراد منه لا تناظرهم بالكلام وقوله تعالى : (يَوْمَ) منصوب باذكر ، أي : واذكر يوم (يَدْعُ الدَّاعِ.) وقيل : منصوب بيخرجون بعده والداعي معرف كالمنادي في قوله تعالى : (يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ) [ق : ٤١] لأنه معلوم قد أخبر عنه فقيل إنّ مناديا ينادي وداعيا يدعو ، فقيل : الداعي إسرافيل عليهالسلام ينفخ قائما على صخرة بيت المقدس قاله مقاتل ، وقيل : جبريل عليهالسلام وقيل : ملك موكل بذلك والتعريف حينئذ لا يقطع حدّ العلمية ويكون كقولنا جاء رجل فقال الرجل قاله الرازي. وقرأ نافع وأبو عمرو بحذف الياء بعد العين وقفا وإثباتها وصلا وابن كثير بإثباتها وقفا ووصلا والباقون بحذفها وقفا ووصلا (إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ) أي : منكر فظيع لم ير مثله فينكرونه استعظاما.
فإن قيل ما ذلك الشيء المنكر أجيب بأنه الحساب أو الجمع له أو النشر للجمع فإن قيل النشر لا يكون منكرا فإنه إحياء ولأنّ الكافر من أين يعرف وقت النشر ما يجزى عليه لينكره أجيب بأنه يعلم ذلك لقوله تعالى عنهم : (يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) [يس : ٥٢] وقرأ ابن كثير بسكون الكاف والباقون بالرفع.